قرآنا رغم تلهف رسوله الكريم إلا بعد قرابة عام ونصف العام1، فلماذا لم يسعف النبي نفسه بوحي عاجل يحقق ما يصبو إليه ويتمناه؟

إنه الوحي ينزل على محمد حين يشاء رب محمد، ويفتر إذ شاء له رب محمد الانقطاع، فما تنفع التعاويذ والأسجاع، ولا تقدم عواطف محمد ولا تؤخر في أمر السماء!

أما وإنه لم يك لهذه المفارقة الواضحة بين شخصية النبي وظاهرة الوحي إلا حل "نفساني" واحد على طريقة الماديين من قدامى ومحدثين: فليفترضوا تزود النبي الأمين بشخصيتين إحداهما واعية شاعرة، والأخرى لا واعية ولا شاعرة، أو بعبارة أخرى: ليفترضوا في نفس محمد ازداوج الشعور و"اللاشعور"! فهل لباحث منصف أن يعترف لأصحاب هذا الافتراض بمسكة من عقل أو ذرة من شعور؟

ولقد تحير العرب من قبل في الربط بين الذات الملقية والذات المتلقية، فتخبطوا تخبط شهود الزور، وتبلبلت أذهانهم، وتضاربت آراؤهم، ولم يطمئنوا إلى تفسير يرضي عقولهم السقيمة، وصور الله حيرتهم هذه الصورة المضحكة الساخرة: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} 2 فردوا مصدر القرآن إلى رؤى النائم أو شطحات المجنون، وإلى افتراءات المختلق أو تخرصات الكذوب، وإلى أخيلة الشاعر أو سبحات الأديب. وفي توالي حرف الإضراب "بل" ثلاث مرات تهكم لاذع باضطرابهم وتضاربهم، ألا ساء ما يحكمون.

فأما رؤى النائم فتردها بداهة مشاعر النبي المرهفة الواعية، وشخصيته اليقظة الساهرة حتى في ساعات الراحة والرقاد. ولقد رافق هذا الوعي رسول الله منذ اللحظة الأولى التي خاطبه الله فيها بقوله: {اقْرَأْ} حتى نزلت الآية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015