فحمي الوحي وتتابع1. واستبشر النبي وتبدل انتظاره الحزين فرحة غامرة، وأيقن أن هذا الوحي الذي استعصى عليه ولم يوافه طوع إرادته مستقل عن ذاته خارج عن فكره، فاستقر في ضميره الواعي أن مصدر هذا الوحي هو الله علام الغيوب.

ومن ذا الذي ينسى كيف أبطأ الوحي شهرًا كاملا بعد "حديث الإفك"2 الذي رمى به المنافقون بنت الصديق بالفاحشة، وأثاروا به حولها الفضيحة، حتى عصفت بقلب الرسول الريبة فقال لزوجه أم المؤمنين: "يا عائشة, أما إنه بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله" , من هذا الذي لا يدرك أن هذا الشهر الذي تصرم على الحادثة من غير أن يتلقى النبي خلاله وحيا كان أثقل عليه من سنين طويلة، بعد أن خاض المنافقون في الصديقة المطهرة خوضا باطلا؟ فما بال النبي الذي كان فريسة للشك والقلق يظل شهرًا كاملًا صامتا ينتظر، واجما يتربص، حتى نزلت آيات النور تبرئ أم المؤمنين؟ وما له لا يسرع إلى التدخل في أمر السماء، فيرتدي مسوح الرهبان، ويهيئ الأسجاع، ويطلق البخور، ويبرئ الصديقة من قذف القاذفين؟.

ولقد كان النبي يتحرق شوقا إلى تحويل القبلة إلى الكعبة، وظل يقلب وجهه في السماء ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا3 لعل الوحي ينزل عليه بتحويل القبلة قبل البيت، ولكن رب القرآن لم ينزل في هذا التحويل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015