ويحمى حتى يكثر عليه، وقد يفتر عنه أحوج ما يكون إليه!

إن الوحي ينزل على قلبه صلوات الله عليه في كل لحظة: إنه ليأوي إلى فراشه فما يكاد يغفو إغفاءة حتى ينهض ويرفع رأسه مبتسما فقد أوحيت إليه سورة الكوثر الخير الكثير1. وإنه ليكون وادعا في بيته وقد بقي من الليل ثلثه، فتنزل عليه آية التوبة في الثلاثة الذين خلفوا {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 2.

إذا الوحي ينزل على قلب النبي في الليل الدامس والنهار الأضحيان، وفي البرد القارس أو لظى الهجير، وفي استجمام الحضر أو أثناء السفر، وفي هدأة السوق أو وطيس الحرب، وحتى في الإسراء إلى المسجد الأقصى، والعروج إلى السموات العلى3.

ثم ها هو ذا الوحي ينقطع عن النبي وهو أشد ما يكون إليه شوقا, وله طلبا: فبعد أن نزل عليه جبريل بأوائل سورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فتر الوحي ثلاث سنين، فحزن النبي -كما قالت السيدة عائشة- حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: "يا محمد أنت رسول الله حقا"، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه4. وبينا هو ماش ذات يوم إذ سمع صوتا من السماء فرفع بصره، فإذا الملك الذي جاءه بحراء، فرعب منه فرجع إلى زوجته الوفية خديجة يقول: "زملوني"، فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015