أومأنا إليه من اشتراك المراحل المكية كلها في خصائص موضوعية وأسلوبية متماثلة تتفاوت حظوظها في هذا الاشتراك، ولولا أخذنا بالمنهج الزمني في ترتيب المكي والمدني زمرا وفصائل، وتقسيم كل منها إلى مراحل، لضممنا السور المكيات كلها في زمرة واحدة تقابل السور المدنيات بزمرتها كلها مقابلة كاملة.

وإن نرد تفصيل الحديث عما تميزت به المرحلة المكية المتوسطة عن الأولى -قبل أن نمضي إلى تصوير ملامح المرحلة الثالثة التالية- نجد في يسر وسهولة أن بعض الإضافات التي زيدت في هذه على حقائق تلك قد صيرت موضوعاتها كالمستقلة بنفسها، وأن بعض الأصباغ التي وشيت بها هذه زيادة على وشي تلك قد جعلت أسلوبها خاصا فريدا، مع أن الأصول في سور كلتا المرحلتين بقيت بارزة المعالم، واضحة السمات.

إن جميع الحقائق التي عالجتها المرحلة الأولى في الكون والحياة، والإنسان قد عالجتها أيضا هذه المرحلة الثانية، بيد أنها وسعت نطاقها، وفصلت جزئياتها، وألقت الضوء ساطعا على معالمها: فقد بدأت الدعوة الإسلامية تثير مخاوف المشركين وتقذف الرعب حقا في قلوبهم، فما تني تنذرهم سوء المنقلب, وتعرض عليهم صورا من تدمير الله القرى الظالمة، وتقص عليهم قصص الغابرين، وتفصل لهم البراهين1 على توحيد الله، وصدق الوحي، وقيام الساعة، ووقوع البعث والنشور والثواب والعقاب، وتصور لهم الجنة والنار في لوحتين متقابلتين حافلتين بالمشاهد والظلال, وتذكرهم بنعم الله التي لا تحصى في الأرض وفي السماء، وفي الأنفس والآفاق، وتدعوهم إلى الاهتداء بنور الفطرة، وترغبهم في صالح الأعمال، وتوازن بينهم وبين الذين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015