آمنوا وعملو الصالحات، وتضع لهم الموازين القسط للأشخاص والقيم والأخلاق، وتوضح لهم وحدة الدين في أصول الإيمان، وترسم لهم نشأة الكون وخلق آدم وإبليس، وتوضح لهم أسرار الهدى والضلال.
أما أسلوب هذه المرحلة فربما كان -في جل المواطن- امتدادا لأسلوب المرحلة المكية الأولى في الإيجاز وحرارة التعبير، وتجانس المقاطع والفواصل، ووفرة التجسيم والتشخيص والتخييل، وكثرة الأصباغ والألوان واللوحات، إلا أن بعض السور بدأت تجنح إلى الطول، وبعض الآيات بدأت هي الأخرى تطول1، وتعددت في السورة الواحدة الأنغام، وبرزت أحيانا بين مقاطعها لوازم الإيقاع، وذيلت بعض الفواصل باسم أو اسمين متتالين من أسماء الله الحسنى2، وظلت الألفاظ تنتخب انتخابا، رشيقة تارة عنيفة تارة أخرى، وهي في كلتا الحالين تهز المشاعر الراقدة بالبيان الرفيع، والسحر الخلاب!.
الآن نمضي إلى المرحلة المكية الثالثة الختامية، فيفاجئنا فيها -أكثر ما يفاجئنا- طولها بوجه عام آيات وسورًا، وإن كان الأغلب عليها طول السور دون الآيات, وهذا الطول نفسه -حيثما يلاحظ- ليس شيئا ذا بال إذا قيس بعدد الآيات في السور المدنية أو بعدد الألفاظ في الآية المدنية الواحدة، ولكنه بلا ريب يعد طولا بالنسبة إلى ما يتوقعه القارئ في جميع المراحل المكية من تناسق القرآن مع ما يرغبه فصحاء مكة من إيجاز التعبير تعويلا على الإشارة الخفية أو الإيماءة البارعة المحكمة.
وطول هذه السور سيحول دون تحليلنا لجميع ما ذكرناه منها، فبدلا