بها ألسنتهم في يسر وسهولة"1: وذلك ما لاحظه ابن الجوزي حين قال: "وأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفا لها, وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها، وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق". ويفسر ذلك بقوله: "وذلك أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يبعثون إلى قومهم الخاصين والنبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم, عربيهم وعجميهم، وكان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم: لغاتهم مختلفة وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغة إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر. بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج2".
وأهمية هذا الوجه الآخير -أعني اختلاف اللهجات- جعلت بعض العلماء يحصرون الأحرف السبعة في أنواع اللهجات، بينما أغفل آخرون ذكر هذا الوجه إغفالا تامًا، لأنه -على حد قول ابن قتيبة: "ليس من الاختلاف الذي يتنوع في اللفظ والمعنى، لأنه هذه الصفات المتنوعة في أدائه، لا تخرجه عن أن يكون واحدًا"3. وفي كلا الرأيين مغالاة، فالأوجه الستة السابقة على جانب من الأهمية لا يسمح بإسقاطها والاكتفاء بالوجه السابع. كما أن اختلاف اللهجات في أداء بعض الأصوات أمر واقع بين الصحابة، بل لعله كان أشد أنواع الاختلاف دورانًا على الألسنة. فلا يجوز إغفاله والاكتفاء بأوجه أخرى لا تستقرى بها مختلف ضروب الأداء. وهذا النقص في استقراء الأقدمين للأوجه السبعة قد حملنا على أن نسلك في طريقة استقرائنا لها سبيلا مخالفة لهم جميعا، فلم نختر مذهب أبي الفضل الرازي4 الذي فضله الزرقاني في "مناهله" على مذهب ابن قتيبة وأبي الخير بن الجزري والقاضي أبي بكر بن الطيب