"والأصل الذي قادهم إلى هذا عدم الإقرار بالرب الذي عرَّفت به الرسل ودعت إليه وهو القائم بنفسه المباين لخلقه العالي فوق سمواته، فوق عرشه الفعَّال لما يريد بقدرته ومشيئته العالم بجميع المعلومات القادر على كل شيء فهم أنكروا ذلك كله"1.
مذهب الجهمية:
أما مذهب الجهمية في صفة الكلام فإنهم قالوا: إن كلامه ـ سبحانه ـ مخلوق، ومن بعض مخلوقاته ليس قائماً بذاته ـ سبحانه ـ فالكلام بدأ من هذه المخلوقات وليس من الله ولا يقوم بالله كلام ولا إرادة وأنه ـ سبحانه ـ كلّم موسى بكلام خلقه في الشجرة، وكلّم جبريل بكلام خلقه في الهواء2.
قال أبو الحسن الأشعري: "وزعمت الجهمية كما زعمت النصارى لأن النصارى زعمت أن كلمة الله حواها بطن مريم، وزادت الجهمية عليهم فزعمت أن كلام الله مخلوق حل في شجرة وكانت الشجرة حاوية له فلزمهم أن تكون الشجرة بذلك الكلام متكلمة، ووجب عليهم أن مخلوقاً من المخلوقين كلم موسى، وأن الشجرة قالت: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} 3.
وقال البغدادي وهو يذكر بعض الأمور التي اتفقت عليها الجهمية فقال: "وقال: أي ـ جهم ـ بحدوث كلام الله ـ تعالى ـ كما قالت القدرية ولم يسم الله ـ تعالى ـ متكلماً به" أ. هـ4.
وقال البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ: "وقال بعض أهل العلم: إن الجهمية هم المشبهة لأنهم شبهوا ربهم بالصنم والأصم، والأبكم الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم، ولا يخلق، وقالت الجهمية: هو كذلك لا يتكلم ولا يبصر نفسه"5.