بحسب ما قبلته منه، ولهذه النفوس عندهم ثلاث قوى، قوة التصور، وقوة التخيل، وقوة التعبير، فتدرك بقوة تصورها من المعاني ما يعجز عنه غيرها، وتدرك بقوة تخيلها شكل المعقول في صورة المحسوس، فتتصور المعقول صوراً نورانية تخاطبها وتكلمها بكلام تسمعه الآذان، وهو عندهم كلام الله ولا حقيقة له في الخارج وإنما ذلك كله من القوة الخيالية الوهمية"1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فيقولون هذا القرآن كلام الله وهذا الذي جاءت به الرسل كلام الله، ولكن المعنى أنه فاض على نفس النبي صلى الله عليه وسلم من العقل الفعَّال، وربما قالوا: إن العقل هو جبريل الذي ليس على الغيب بضنين أي: بخيل لأنه فيَّاض. ويقولون إن الله كلم موسى من سماء عقله، وأن أهل الرياضة والصفا يصلون إلى أن يسمعوا ما سمعه موسى كما سمعه موسى2.
وهذا المذهب: من أبعد المذاهب عن الحق والصواب إذ مضمونه أن كلام الله ـ تعالى ـ من الوهم والخيال ليس له وجود في الخارج إذ أنهم يزعمون: أن موسى سمع كلام الله من سماء عقله أي: بكلام لم يسمعه من خارج. وهذا مناقض للكتاب والسنة وإنكار لربوبية الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ، والكتاب والسنة دلا بوضوح على أن الله ـ تعالى ـ أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، والوحي كان إما بتكليم الله لهم بلا واسطة، أو يوحي إليهم بواسطة الملك الذي يأمره الله بتبليغ الوحي إلى النبي الذي اصطفاه الله لتبليغ رسالته إلى عباده من الجن والإنس.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} 3.
فهذه الآية دلت على أن الوحي إلى الرسل كان حقيقة ولم يكن تخييلاً يتخيله الرسول كما زعم ذلك الفلاسفة المارقون ومن جرى في ركابهم من المتكلمين فدعواهم ذلك من أبطل الباطل.