فانقسموا إلى طوائف مختلفة في صفة الكلام حتى قيل إن علم الكلام إنما سمي بهذا الاسم أخذاً من الكلام في هذه المسألة وسأذكر هنا الأقوال المذكورة عن الفرق في صفة الكلام بطريقة مختصرة:
مذهب السلف:
قالوا: إن الكلام صفة لله كسائر الصفات الأخرى، وهي صفة ذات وفعل، يتكلم متى شاء وكيف شاء، وهو حروف وأصوات يسمعها من يشاء من مخلوقاته، وإن كلامه وصوته ليس كصوت المخلوقين وكلامهم فهو قديم النوع حادث الأفراد.
كما أنهم أجمعوا على أن موسى عليه السلام سمع كلام الله من الله تعالى لا من الشجر أو الحجر، أو من غير ذلك كما زعمت الجهمية والمعتزلة لأنه لو سمع من غير الله ـ تعالى ـ لكان بنو إسرائيل أفضل ذلك منه، فإنهم سمعوا من أفضل ممن سمع منه موسى لكونهم سمعوا من موسى عليه السلام وهو على زعمهم إنما سمع من الشجرة، وهو غير معقول.
وكذلك لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتاً وحرفاً، وليس معنى في النفس، فإنه لو كان معنى في النفس كما زعمت الكلابية والأشاعرة والماتريدية لم يكن ذلك تكليماً لموسى عليه السلام ولا هو شيءٌ يسمع1.
فالقرآن عند أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً كلام الله ـ تعالى ـ ووحيه، وتنزيله فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته، وأنه غير مخلوق بحروفه ومعانيه فهو كلام الله ـ تعالى ـ حقيقة ويضاف الكلام إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً، ومؤدياً، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة عنه، كما يزعم ذلك الكلابية، والأشاعرة.
مذهب الفلاسفة:
قالوا: "إن كلام الله هو عبارة عما يفيض من العقل الفعَّال أو من غيره على النفوس الفاضلة الزكية، بحسب استعدادها، فأوجب لها ذلك الفيض تصورات، وتصديقات