الْأَسْبَاب، وَقَامَت الْحَاجة الداعية إِلَى تدوين قَوَاعِد وأصول الاستنباط بعد اخْتِلَاط اللِّسَان الْعَرَبِيّ بِغَيْرِهِ من اللهجات، وَظُهُور أفكار وعلوم جَدِيدَة فِي الساحة الإسلامية مَبْنِيَّة على أسس غير إسلامية، فتصدى للتأليف فِيهِ الإِمَام الْكَبِير مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي، فَكتب الرسَالَة فِي أصُول الْفِقْه، على أسس صَحِيحَة، وطرق عِنْد أهل الشَّرْع مسلوكة، إِلَّا أَنه من أَسف شَدِيد تصدى أهل الأفكار المنحرفة والعقائد الْفَاسِدَة للتأليف فِيهِ بعد الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله وأدخلوا فِي علم أصُول الْفِقْه مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَقد أدخلت الْفرق المنحرفة أُصُولهَا الْبَاطِلَة فِي كثير من عُلُوم الْإِسْلَام الْمَحْضَة، يَقُول شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله عَن الْمُعْتَزلَة ومنكري الْحِكْمَة: “ثمَّ إِن كثيرا من هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء يَتَكَلَّمُونَ فِي تَفْسِير القرءان والْحَدِيث وَالْفِقْه فيبنون على تِلْكَ الْأُصُول الَّتِي لَهُم وَلَا يعرف حقائق أَقْوَالهم إِلَّا من عرف مأخذهم”1 وبسبب هَذَا كثر خلط الْعُلُوم الإسلامية ولاسيما علم أصُول الْفِقْه بالأصول الفلسفية، يَقُول شيخ الْإِسْلَام: “من لَهُ مَادَّة فلسفية من متكلمة الْمُسلمين كَابْن الْخَطِيب وَغَيره يَتَكَلَّمُونَ فِي أصُول الْفِقْه الَّذِي هُوَ علم إسلامي مَحْض فيبنونه على تِلْكَ الْأُصُول الفلسفية”2، وَأول من أبرز الْمنطق فِي أصُول الْفِقْه وَخَصه بالمقدمة فِي هَذَا الْعلم أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ، يَقُول شيخ الْإِسْلَام: “وَأول من خلط منطقهم بأصول الْمُسلمين أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ”3 “وَإِنَّمَا كثر اسْتِعْمَالهَا فِي زمن أبي حَامِد، فَإِنَّهُ أَدخل مُقَدّمَة من الْمنطق اليوناني فِي أول كِتَابه الْمُسْتَصْفى وَزعم أَنه لَا يَثِق بِعِلْمِهِ إِلَّا من عرف هَذَا الْمنطق”4.