مقدمة الطبعة الرابعة
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد، فقد ظهرت الطبعة الأولى لكتاب ((ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)) سنة 1950 م فكان الإقبال عليه عظيماً تخطى قياس المؤلف ورجاءه، فقد كان كتاباً لا يسترعي اهتمام القراء إلا موضوعه- الذي يكاد يكون طريفاً- وما يحتوي عليه من مادة ومعنى، ولم يكن من ورائه شخصية المؤلف وشهرته، فلم يكن قد ظهر لمؤلفه كتاب آخر قبل هذا الكتاب في العالم العربي، ولم يعرفه الناس في هذه الأقطار. فكانت العناية بهذا الكتاب عناية خالصة مجردة للكتاب وللموضوع، ليس فيها نصيب لشخصية المؤلف وشهرته.
ولا يُعلَّل هذا الإقبال النادر الذي حظي به الكتاب إلا بفضل الله تعالى ولطفه، وبعد ذلك بأنّ هذا الكتاب قد جاء في أوانه، وصادف رغبة غامضة واتجاهاً مبهماً في النفوس، وبأنه يتجاوب مع شعور كثير من المفكرين والمثقفين في العالم لعربي، ويلتقي مع أفكارهم وآرائهم ودراستهم.
وعلى كُلٍّ فقد كان الكتاب واسع الانتشار في العواصم العربية والأوساط العلمية، وتناولته طبقات الأمة وبعض قادة الفكر بالدراسة والبحث، وأشار المربون والمعلمون على الشباب بمطالعة هذا الكتاب، والحمد لله الذي بعزّته وجلاله تتم الصالحات.
وقد قامت لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة بالطبعة، وكان لها- ولاشك- فضل في ظهور هذا الكتاب في مظهر جميل لائق، وفي نفوذه في الأوساط العلمية والأدبية، وحرصت جماعة الأزهر للنشر والتأليف- وفيها أصدقاء المؤلف- على إعادة طبع الكتاب، فصرّحت لها بذلك، ووافق عليه المرحوم الأستاذ الكبير الدكتور أحمد أمين (بك) رئيس اللجنة فظهرت الطبعة الثانية سنة 1951 م، وفيها مقدمات للدكتور محمد يوسف موسى، والكاتب الإسلامي الأستاذ سيد قطب، وصديق المؤلف الشيخ أحمد الشرباصي، زادت في قيمة الكتاب.
ظهرت الطبعة الثانية، وأنا في جولتي في الشرق الأوسط، فلم أتمكن من أن أضيف إليها زيادات كنت أفكر فيها وأشعر بالحاجة إليها، وهيأ الله أسباب الطبعة الثالثة، ووقعت إليّ مصادر جديدة، وجدّ عندي بعض الآراء ونواح جديدة فألحقتها بالكتاب، وتأخرت هذه الطبعة لبعض الأسباب إلى سنة 1959 م، ونفدت في مدة قريبة، وها هي الطبعة الرابعة مزيدة منقحة.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه الطبعة- وما يليها من طبعات إن شاء الله - كما نفع بالطبعات الأولى (?) ، وأن يجعل هذا الكتاب وسيلة للوعي الجديد، والإيمان الجديد الذي تشتد حاجة العالم الإسلامي إليه، إنه على كل شيء قدير.
أبو الحسن علي الحسني الندوي
لكهنؤ (الهند)
تصدير
بقلم فضيلة الأستاذ
الدكتور محمد يوسف موسى
اتصال السماء بالأرض لأداء رسالة من الله المتفرد في سموه وعليائه، إلى عبيده المحتاجين لهديه وإرشاده، حدث من الأحداث العظام، وخرق لنواميس الطبيعة التي لا تتغير من طريقها المرسوم إلا حين الحاجة القصوى، ولغاية قدرها العزيز العليم.
وليس يحدث أو يكون أمر في هذا العالم إلا عن سبب اقتضى حدوثه وكونه، ولغاية أريدت منه.
وظهور الإسلام، وهو أعظم ما رأى العالم من أحداث، لا بد له من أسبابه التي استلزمته، وممهداته التي أعدت له، وغايته التي تنتظر دائماً منه.
ولسنا الآن بسبيل الحديث، ولو بالإيجاز الشديد، عن هذه الأسباب والممهدات التي أعدت لظهور الإسلام، بعد أن خلا العالم الذي كان معروفاً حينذاك من المجتمع الصالح والدين الصحيح، ولسنا كذلك بسبيل الحديث عن الغاية التي جاء الإسلام من أجلها، وعمل نبيه ورجاله الأولون جاهدين على الوصول إليها، فسعد به العالم، زمناً طويلاً كل ذلك معروف، يصبح الكلام فيه حديثاً معاداً، ولا محل لمثل هذا الحديث الآن في الكلمة التي يسعدني أن أقدم بها لهذا الكتاب، استجابة لطلب مؤلفه صديقنا الأستاذ الجليل السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي، أحد دعاة الإسلام من الطراز الأول في هذا العصر الذي نعيش فيه.
على أن الكتاب في غير حاجة حقاً لتقدمة مقدم، فقد تقبله القراء بقبول حسن، وخصوه بحفاوة لم يظفر بها كتاب ظهر عن الإسلام في هذه الأيام، وإنما هو تواضع وفضل من المؤلف المؤمن الصادق الإيمان جعلاه يطلب مني هذه الكلمة، وأشهد أني قرأت الكتاب حين ظهرت طبعته الأولى في أقل من يوم، وأغرمت به غراماً شديداً، حتى لقد كتبت في آخر نسختي وقد فرغت منه ((إن قراءة هذا الكتاب فرض على كل مسلم يعمل لإعادة مجد
الإسلام)) ، وكل هذا قبل أن أعرف المؤلف الفاضل، فلما سعدت بمعرفته والحديث معه مرات عديدة، فهمت كيف ولماذا فتنت بالكتاب، وعرفت أن مرد هذا كله- فوق ما فيه من ثمرات التوفر على البحث ونشدان الحق- إلى معرفة الكاتب بالإسلام معرفة حقه وأخ نفسه في حياته به، والإخلاص في الدعوة الصحيحة له.
لقد أحس صديقنا الفاضل أبو الحسن ما نحسه جميعاً في حسرة بالغة، وألم شديد، وهو ما ارتضته الدول الإسلامية لنفسها من السير في المؤخرة وراء العالم الغربي، تميل إلى ما يميل، وتقبل حكمه فيما يعرض له من شؤونها، وترضى ما يقره من (قيم) حسب موازينه الخاصة به. وكان من هذا أن فقد العربي- والمسلم بعامة- ثقته بنفسه وجنسه ودينه ومعاييره، وقيمه العالية التي كان يحرص عليها أجداده وأسلافه الأماجد، ويحلونها من أنفسهم المكان العلي المرموق. وهذه علتنا التي يجب أن نطب لها، وفي ذلك تتركز مشكلتنا، أو مشاكلنا التي يجب علينا أن نجد الحل الناجع لها من صميم ديننا وتاريخنا وتراثنا الروحي العقلي الخالد، وإلى هذا كله نظر مؤلف كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، وإليه جميعه عنى نفسه وعمل جهده.
حقاً ليست مشكلة العالم الإسلامي اليوم في عدم الدعاوة للإسلام بين غير المسلمين، ولا في اكتساب مسلمين جدد وإنما هذه المشكلة هي انصراف المسلمين عن الإسلام، وعن الشرق إلى الغرب بحضارته وقيمه التي يدعو إليها وموازينه التي بها يزن الأمور. ومن ثمَّ صرنا مسلمين بالاسم الولادة والموقع الجغرافي فحسب، وعزفنا عن الإسلام بالفعل، حتى أصبحنا ولا نعرفه في تشريعنا وتقاليدنا التي نأخذ هذه الأيام أنفسنا بها، ولسنا في حاجة في هذا لضرب الأمثال التي نحسها ونلمسها جميعاً في رجال الحكم، وفي ممثلي البلاد الإسلامية في الشرق والغرب، وفيمن يجب أيكون القدوة الطيبة بحكم مناصبهم الدينية في مصر وغير مصر، والأمر لله من قبل ومن بعد.
ولقد اختتم الله بالإسلام رسالاته للعالم، فليس لنا أن ننتظر اتصالاً جديداً من السماء بالأرض يطهرها مما كاد يعمها من شرك وضلال وفساد، ولا نبياً آخر بعد رسول الإسلام، يخرج العالم برسالة جديدة من الظلمات إلى النور، ولا قرآناً جديداً يهدي الإنسانية الحائرة
إلى سبيل الرشد والسعادة. ولكن الله الرحمن الرحيم ترك فينا بعد هذا، أو بسبب هذا، كتاباً لن يضل من اتبعه، وشريعته لن يشقى من عمل بها.
وكل ما يجب أن نعمل له، لنخرج والعالم كله من هذه الجاهلية التي احتوتنا من جميع الأطراف، هو إعادة الثقة بديننا حتى يكون أساس حياتنا في كل مقوماتها، وليس لنا أن نطلب من أحد أن يؤمن بهذا الدين قبل أن نؤمن نحن أولاً به، ولن يكون هذا الإيمان إلا بالقدوة الطيبة الصالحة نقدمها للناس جميعاً.
إن العالم، وهذا أمر لمسناه بأنفسنا لمساً بأوربا، يتخذ من فشل المسلمين سياسياً واقتصادياً دليلاً حاسماً على عدم صلاح الإسلام لقيادة المسلمين بله العالم كله! مع أن هذا العالم المسيحي نفسه حين كان المسلمون مسلمين حقاً من ناحية العقيدة والعمل على السواء، قد تزعزع عن مسيحيته عندما شاهد ما أحرزته سيوف المسلمين من نجاح منقطع النظير، إذ اعتقدوا- بحق - أن نجاح المسلمين هذا دليل قاطع على صدق دينهم، مادام الله لا يؤتي نصره إلا لعباده المختارين (?) .
وليس ما نقول، من أثر القوى الطيبة الصالحة في الدعاوة للإسلام، بالقول الذي لا يرتكز على دليل وشواهد من التاريخ الصحيح. إن صاحب كتاب الدعوة إلى الإسلام نفسه يذكر ما يأتي حرفياً:
((ويظهر أن أخلاق صلاح الدين، وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيراً سحرياً خاصاً، حتى أن نفراً من الفرسان المسيحيين، قد بلغ من قوة انجذابهم إليه، أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين، وكذلك كانت الحال عندما طرح النصرانية فارس انكليزي من فرسان المعبد يدعى ((روبرت أوف سانت ألبانس)) Robert of St. صلى الله عليه وسلمlbans عام 1185 م واعتنق الإسلام، ثم تزوج بإحدى حفيدات صلاح الدين وبعد عامين غزا صلاح الدين ((فلسطين)) وهزم الجيش المسيحي هزيمة منكرة في واقعة ((حطين)) وكان جوي Guy ملك بيت المقدس بين الأسرى.
وحدث في مساء المعركة أن ترك الملك ستة من فرسانه، وفروا إلى معسكر صلاح الدين بمحض إرادتهم (?)) .
هذا شاهد من الشواهد التي لا تحصى كثرة، والتي تزخر بها كتب التاريخ في القديم والحديث، ومنها نعلم أثر القدوة الطيبة في النفوس، حتى في نفوس غير المسلمين الذين كنا نراهم خصوماً لنا وأعداء، ومنها نعلم أيضاً سبباً من الأسباب القوية التي يسرت للمسلمين ما فتح الله عليهم من فتوح، وما ظفروا به من أمجاد.
إن هذا الإسلام لا يصلح اليوم إلا بما صلح به في الأمس، إيمان به إيماناً يخالط شغاف قلب المؤمن، واستعذاب للتضحية في سبيله بما يعتز به المرء من مال ونفس، واعتزاز بما جاء به من تشاريع ومبادئ وتقاليد صالحة لإنهاض العالم وإسعاده، ودعوة له بالعمل الصالح والقوى الطيبة، وعدم القضاء إلا بحكمه، وجعل الحياة في كل جوانبها لا تقوم إلا عليه.
علينا إذا أردنا أن نأخذ مكاننا من جديد في قيادة الإنسانية أن نعتقد اعتقاداً حقاً يظهر أثر في كل ما نقول أو نعمل- ما يراه شاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال من أن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار، ويساير الركب البشري حيث اتجه وسار، بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدينة، ويفرض على البشرية اتجاهه، ويملي عليها إرادته، لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين. ولأنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه. فليس مقامه مقام التقليد والإتباع إن مقامه مقام الإمامة والقيادة ومقام الإرشاد والتوجيه. ومقام الآمر الناهي. وإذا تنكر له الزمام، وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة، لم يكن له أن يستسلم ويخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر، بل عليه أن يثور عليه وينازله. ويظل في صراع معه وعراك، حتى يقضي الله في أمره. إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاسرة والأوضاع القاهرة، ولاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام. أما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد (?) .
وبعد: ماذا أريد أن أقول بعد ذلك في هذه الكلمة التي أحسبها طالت بعض الشيء في تقديم كتاب هو بنفسه وبكاتبه غني عن كل تقديم، كما قلت في أول الحديث؟ .
إني- علم الله- لست أذكر فيما قرأت من القديم والحديث كتاباً حوى من الخير ما حواه هذا الكتاب، ولا كتاب وضع أيدينا على دواء ما نشكو منه من أدواء وأمراض، كما فعل هذا الكتاب، ولا كتاباً نفذ كاتبه إلى روح الإسلام، وأخلص ويخلص في الدعوة له، ويقف كل جهوده على هذا السبيل كهذا الكتاب.
علينا إذاً أن نفيد من هذا الكتاب، ومن الوسائل التي يدعو مؤلفه الفاضل لاصطناعها، لنصل إلى النهضة المرجوة، والكرامة والمجد في هذه الحياة، وفي الحياة الأخرى، وذلك ما لا يكون لنا إلا إذا غيرنا من أوضاع التعليم ومناهجه غاياته عندنا، وإلا إذا جعلنا همنا تربية النشء على أسس إسلامية صحيحة، وجعلنا الغاية من التربية والتعليم عندنا النهضة بالعالم الإسلامي حتى يصل إلى ما يجب أن يكون له من مكانة ملحوظة في هذا العالم، واصطنعنا لهذا، الوسائل الناجعة حقاً.
إن هذا، حين يتم، إن أراد الله لأمة الإسلام إفاقة من نومها، ونهضة من كبوتها، يجعل من تلاميذ رجالات مسلمين حقاً في المستقبل، يحسنون تصريف شؤون الأمة حين توضع أمور الأمة بين أيديهم، ويجعل منهم رجالاً شجعاناً أمناء لدينهم وأمتهم، لا هم لهم في حياتهم إلا إعادة مجد الإسلام، والعالم الإسلامي.
والوسائل الناجعة للوصول إلى تلك الغاية المجيدة من التربية والتعليم جد كثيرة ومعروفة إن أردناها، ولكن يحسن أن نختم هذه الكلمة بقبس من كلام الأستاذ أبي الحسن الندوي نفسه، إنه يقول:
((والقرآن وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم قوتان عظيمتان تستطيعان أن تشعلا في العالم الإسلامي نار الحماسة والإيمان، وتحدثا في كل وقت ثورة عظيمة على العصر الجاهلي وتجعلا من أمة مستسلمة منخذلة ناعسة، أمة فتية ملتهبة حماسة وغيرة وحنقاً على الجاهلية، وسخطاً على النظم الخائرة. إن علة علل العالم الإسلامي اليوم هي الرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان بها. والارتياح إلى الأوضاع الفاسدة. والتبذير الزائد في الحياة. فلا يقلقه فساد.
ولا يزعجه انحراف. ولا يهيجه منكر. ولا يهمه غير مسائل الطعام واللباس. ولكن بتأثير القرآن والسيرة النبوية. إن وجدا إلى القلب سبيلاً. يحدث صراع بين الإيمان والنفاق. واليقين والشك. بين المنافع العاجلة والدار الآخرة، وبين راحة الجسم ونعيم القلب، وبين حياة البطولة وموت الشهادة. صراع أحدثه كل نبي في وقته. ويصلح العالم إلا به. حينئذ يقوم في كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي. في كل أسرة إسلامية {ِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13} وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} . هنالك تفوح روائح الجنة، وتهب نفحات القرن الأول. ويولد للإسلام عالم جديد لا يشبه العالم القديم في شيء)) ! .
من هذه الكلمات التي قبسناها من هذا الكتاب الذي نكتب هذا التقديم له، نرى أي روح كبيرة أملت على المؤلف ما كتب! نفع الله به وبكل آثاره، وجزاه عن الإسلام وأمته خير الجزاء.
محمد يوسف موسى
********************************
صورة وصفية:
أخي أبو الحسن! ..
بقلم فضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي
لقيت أخي أبا الحسن أول مرة في شتاء سنة 1951 م، بدار (الشبان المسلمين) في القاهرة، عقب محاضرة لي من ((محاضرات الثلاثاء)) وقد أقبل علي يطلب في أدب جم وتواضع ظاهر ليلة من ليالي الثلاثاء، ليلقي فيها محاضرة عن ((العالم في مفترق الطريق)) .. فرأيت رجلاً نحيف البدن، نحيل العود، له لحية سمراء، وملابسه قليلة خفيفة الوزن والثمن، ونظراته عميقة نفاذة، ونبراته دقيقة أخاذه فيها بحة، عرفت فيما بعد أنها ملازمة له من جهد وإجهاد، وبعد اللقاء الأول العاجل توثقت بيني وبينه أسباب الأخوة والمحبة، وعن خبر به أكتب هذه السطور.
هو العالم المؤمن الداعية المحتسب السيد أبو الحسن علي الحسني الهندي الندوي، من المنتسبين إلى عترة الحسن بن علي رضي الله عليهما، ووالده هو الشريف العلامة عبد الحي بن فخر الدين بن عبد العلي، ينتهي نسبه إلى عبد الله بن الأشتر بن محمد ذي النفس الزكية بن عبد الله المحض بن المحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، ولوالده كتب كثير من المطبوع ومنها المخطوط أشهرها ((نزهة الخواطر)) في ثمانية مجلدات (?) وقد توفي سنة 1341 هجرية.
وقد ولد السيد أبو الحسن في مديرية بالهند تسمى ((راي بريلي)) ، وهي تبعد عن ((لكهنؤ)) سبعين كيلو متراً تقريباً، وكانت الولادة بقرية ((تكية)) في شهر المحرم سنة 1332هـ، مد الله في عمره وأدام به نفع الإسلام والمسلمين.
وأسرة أخي أبي الحسن من أصل عربي، لا تزال تحافظ على أنسابها إلى هذا اليوم وهي تحافظ على صلاتها بأصلها وإن كانت تتكلم الهندية وتعيش في الهند منذ