خير؛ وهكذا فعل الإسلام، وهكذا فعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد صرف شجاعة العرب من المنافسات القبلية والتقاتل وأخذ الثأر والأحقاد القديمة إلى الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، وصرف تبذيرهم وسماحتهم إلى الإنفاق في سبيل الله، وشغلهم عن الجاهلية بالدين الإسلامي، وأبدل الشيء بالشيء، وأعطى النفس حقها من النشاط والترويح، فإن النفوس كما قال عالم من علماء المسلمين لا تترك شيئاً إلا بشيء،
وإن النفوس قد خُلقت لتعمل لا لتترك (?) ، وإن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتكريرها لا بتبديلها وتغييرها (?) .
قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر (?) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك يوم عيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا. وفي رواية أنه قال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد (?) .
أما النصرانية الرومية فقد حاولت عبثاً تغيير الفطرة وإزالتها وجاءت بنظام لا تطيقه الفطرة الإنسانية ولا تسيغه. وحملت النفوس ما لا طاقة لها به فرغبت فيه كرد فعل ضد المادية الطاغية واحتملته كارهة، ثم تخلصت منه وثارت عليه ولم تقدر النصرانية - بإسرافها في الرهبانية والزهد ومكابرتها للفطرة والواقع أن تصلح ما فسد من أخلاق الناس وعوائدهم، وتمسك بضبع المدينة الساقطة إلى الهاوية وتمنعها من التردي. فكانت حركة الفجور والإباحة وحركة الغلو في الزهد