تأثير الرهبانية في أخلاق الأوربيين:

كان نتيجة هذه الرهبانية أن خلال الفتوة والمروءة التي كانت تعد فضائل، عادت فاستحالت عيوباً ورذائل، وزهد الناس في البشاشة وخفة الروح والصراحة والسماحة

والشجاعة والجرأة وهجروها، وكان من أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم الحياة المنزلية، وعم الكنود والقسوة على الأقارب، فكان الرهبان الذين تفيض قلوبهم حناناً ورحمة، وعيونهم من الدمع، تقسو قلوبهم وتجمد عيونهم على الآباء والأمهات والأولاد، فيخلفون الأمهات ثكالى والأزواج أيامي والأولاد يتامى، عالة يتكففون الناس، ويتوجهون قاصدين الصحراء. همهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم في الآخرة لا يبالون ماتوا أو عاشوا، وحكى ((ليكي)) من ذلك حكايات تدمع العين وتحزن القلب (?) .

وكانوا يفرون من ظل النساء ويتأثمون من قربهن والاجتماع بهن، وكانوا يعتقدون أن مصادفتهن في الطريق والتحدث إليهن ولو كن أمهات وأزواجاً أو شقيقات تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية. وروى ((ليكي)) من هذه المضحكات المبكيات شيئاً كثيراً.

عجز الرهبانية عن تعديل المادية الجامحة:

ولا يتوهم أحد أن هذه الرهبانية الغالية قد عدلت من شره المادية الرومية، وكبحت من جماحها وغلوائها في البهيمية والشهوات، فإن هذا لم يكن ولا يكون في الغالب وتأباه الفطرة الإنسانية ويكذبه التاريخ؛ فإن الذي يوجد الاعتدال ويخفض من المادية الجامحة ويجعل منها حياة معتدلة هو النظام الروحي الديني الخلقي الحكيم الذي يوافق الفطرة الإنسانية الصحيحة، والذي لا يتصدى لأن يزيل الفطرة الإنسانية، بل يوجهها توجيهاً نافعاً، فإنها لا تزول ولكن تميل من شر إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015