والرهبانية تسيران في البلاد النصرانية جنباً إلى جنب، بل الأصح أن الرهبانية كانت معتزلة في الصحارى والخلوات لا سلطان لها على الحياة. وحركة الخلاعة والإباحة كانت زاخرة طامة في المدن والحواضر.
بين الرهبانية العاتية، والمادية الجامحة:
يصور ((ليكي)) ما كان عليه العالم النصراني في ذلك العصر من التأرجح بين الرهبانية والفجور فيقول:
((إن التبذل والإسفاف قد بلغا غايتهما في أخلاق الناس واجتماعهم، وكانت الدعارة والفجور والإخلاد إلى الترف والتساقط على الشهوات والتملق في مجالس الملوك وأندية الأغنياء والأمراء والمسابقة في زخارف اللباس والحلي والزينة في حدتها وشدتها، كانت الدنيا في الحين تتأرجح بين الرهبانية القصوى والفجور الأقصى، وإن المدن التي ظهر فيها أكثر الزهاد كانت أسبق المدن في الخلاعة والفجور، وقد اجتمع في هذا العصر الفجور والوهم اللذان هما عدوان لشرف الإنسان وكرامته، وقد ضعف رأي الجمهور حتى أصبح الناس لا يحلفون بسوء الأحدوثة والفضيحة بين الناس، وكأن الضمير الإنساني ربما يخاف الدين ووعيده، ولكنه أمن واطمأن، لاعتقاده أن الأدعية وغيرها تكفر عن جميع أعمال الإنسان، لقد نفقت سوق المكر والخديعة والكذب حتى فاق هذا العصر في ذلك عصر القياصرة، ولكن قل الظلم والاعتداء والقسوة والخلاعة، مع انحطاط في حرية الفكر والحماسة القومية (?)) .
الفساد في المراكز الدينية:
ولم تكن الرهبانية والنظام الديني السلبي إلا مصادمة للفطرة، فبقيت مقهورة بعوامل الديانة الجديدة وسلطانها الروحي وساعدتها عوامل أخرى، ثم قهرت الطبيعة وتسرب الضعف والانحراف في المراكز الدينية حتى صارت تزاحم المراكز