يقول ((درابر)) :

((دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين الذين تقلدوا وظائف خطيرة ومناصب عالية في الدولة الرومية بتظاهرهم بالنصرانية، ولم يكونوا يحتفلون بأمر الدين، ولم يخلصوا له يوماً من الأيام، وكذلك كان قسطنطين فقد قضى عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إلا قليلاً في آخر عمره (337 م) .

أن الجماعة النصرانية وأن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولَّت فسطنطين الملك ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية وتقتلع جرثومتها، وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت

مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء - هنالك يختلف الإسلام عن النصرانية، إذ قضى الإسلام على منافسه (الوثنية) قضاء باتاً، ونشر عقائده خالصة بغير غش.

وإن هذا الإمبراطور الذي كان عبداً للدنيا والذي لم تكن عقائده الدينية تساوي شيئاً رأى لمصلحته الشخصية والمصلحة الحزبين المتنافسين- النصراني والوثني- أن يوحدهما ويؤلف بينهما، حتى إن النصارى الراسخين أيضاً لم ينكروا عليه هذه الخطة، ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طمست ولقحت بالعقائد الوثنية القديمة، وسيخلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها)) .

الرهبانية العاتية:

فلم تستطع هذه النصرانية الملقحة بالوثنية المشوهة التي فقدت روحها وجمالها أن تغير من سيرة الروم المنحطة وأن تبعث فيهم حياة جديدة، حياة دينية نقية طاهرة وأن تفتح عهداً زاهراً في تاريخ الروم، بل إنها ابتدعت رهبانية لعلها كانت شراً على الإنسانية والمدنية من بهيمية رومة الوثنية، وقد جن جنون هذه الرهبانية في العالم النصراني وتخطى حدود القياس، وإنا نلتقط أمثلة من كتاب تاريخ أخلاق أوربا وهو قليل من كثير جداً:

((زاد عدد الرهبان زيادة عظيمة، وعظم شأنهم واستفحل أمرهم واسترعوا الأنظار وشغلوا الناس، ولا يمكن الآن إحصاؤهم بالدقة، ولكن مما يلقي الضوء على كثرتهم وانتشار الحركة الرهبانية ما روى المؤرخون أنه كان يجتمع أيام عيد الفصح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015