متعففات تدل دلالاً، ويزيد في نعيمهم حمامات باذخة وميادين للهو واسعة ومصارع يتصارع فيها الأبطال مع الأبطال أو مع السباع، ولا يزالون يصارعون حتى يخر الواحد منهم صريعاً يتشحط في دمه، وقد أدرك هؤلاء الفاتحون الذين دوخوا العالم أنه إن كان هنالك شيء يستحق العبادة فهو القوة، لأنه بها يقدر الإنسان أن ينال الثروة التي يجمعها أصحابها بعرق الجبين وكد اليمين، وإذا غلب الإنسان في ساحة القتال بقوة ساعده فحينئذ

يمكن له أن يصادر الأموال والأملاك ويعين إيرادات الإقطاع، وإن رأس الدولة الرومية هو رمز لهذه القوة القاهرة فكان نظام رومة المدني يشف عن أبهة الملك، ولكنه كان طلاء خداعاً كالذي نراه في حضارة اليونان في عهد انحطاطها (?)) .

تنصر الروم:

وها هنا حادثة عظيمة يجب أن يسجلها المؤرخ وينوه بها، وهي اعتلاء عرش رومة الوثنية، وكان ذلك بجلوس قسطنطين الذي اعتنق النصرانية على سرير الأباطرة سنة 305م فانتصرت فيه النصرانية على الوثنية ونالت فجأة ما لم تكن تحلم به من ملك عريض ودولة مترامية الأطراف وكلمة لا تعلوها كلمة. ولما كان قسطنطين إنما توصل إلى الملك على جسر من أشلاء النصارى وأنهار من دمائهم التي أريقت في الذب عنه والنصر له، عرف لهم الجميل وبذل لهم وجهه، ووطأ لهم أكنافه وقلدهم مفاتيح ملكه.

خسارة النصرانية في دولتها:

ولكن انتصر النصارى في ساحة القتال وانهزموا في معترك الأديان، ربحوا ملكاً عظيماً وخسروا ديناً جليلاً، لأن الوثنية الرومية مسخت دين المسيح ومسخه أهله، وكان أكثر مسخاً له وتحريفاً هو قسطنطين الكبير حامي ذمار النصرانية ورافع لوائها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015