كذلك حلقات التعليم قد رحلت عنها كتب المتقدمين وحلت محلها كتب المتأخرين المتكلفين وغصت بالحواشي والتقريرات والتلخيصات والمتون التي ضن فيها مؤلفوها على القرطاس، وتعمدوا التعقيد والغموض، وكأنهم ألفوها في صناعة الاختزال، وكل ذلك ينبئ عن الانحطاط الفكري والعلمي الذي حل بالعالم الإسلامي وتغلغل في أحشائه.
معاصرو العثمانيين في الشرق:
وعاصرت الدولة العثمانية دولتان قويتان في الشرق، إحداهما الدولة المغولية التي أسسها بابر التيموري (سنة 933هـ 1546م) وكان معاصراً للسلطان سليم الأول وتوالى على عرشها ملوك من أعظم المسلمين شوكة وأبهة وقوة حربية واتساع مملكة، وكان أعظمهم أورنك زيب، وكان آخر الملوك التيموريين الأقوياء وأوسعهم مملكة وأعظمهم فتوحاً وأمتنهم ديانة وأعرفهم بالكتاب والسنة، وقد عاش أكثر من تسعين سنة وحكم
خمسين وتوفي (سنة 1118هـ) أي في فجر القرن الثامن عشر المسيحي، وهو عصر مهم جداً في تاريخ أوربا ولكنه لم يكن هو ولا سلفه على شيء من الاتصال بما كان يجري في أوربا وما تتمخض به من حودث جسام، وما يفور في صدره من عوامل الرقي والنهضة، وكانوا ينظرون إلى من يغشاهم من تجار أوربا وأطبائها أو سفراء دولها- على قلة ورودهم من هذه البلاد النائية- نظر الاستخفاف والاحتقار.
وكانت تصاقب دولتهم في أفغانستان الدولة الصفوية، وكانت راقية متحضرة ولكنها شغلت بنزعتها الشيعية وبالهجوم على الدولة العثمانية مرة والدفاع عن نفسها مرة أخرى.
وانحصر هاتان الدولتان في قطرهما وكانت بمعزل عما يقع في الشرق الأدنى فضلاً عن الغرب، وفي البلاد الإسلامية فضلاً عن البلاد الأجنبية، أما التحالف والتكتل فلم يكن يخطر من أحد منهم على بال، وذلك مما طبعت عليه الدول الشرقية والحكومات الشخصية ووصى بها الآباء والأبناء، وكذلك دراسة أحوال أوربا العلمية والحربية واقتباس العلوم والصنائع من الخارج فلم يكن يدور بخلد إنسان في ذلك العصر.