نهضة أوربا الجاهلية وسيرها الحثيث في علوم الطبيعة والصناعات:
وكان القرن السادس عشر والسابع عشر المسيحي من أهم أدوار التاريخ الإنساني الذي له ما بعده، قد استيقظت فيه أوربا من هجعتها الطويلة، وهبت من مرقدها مجنونة تتدارك زمان الغفلة والجهل وتعدو إلى غايتها عدواً، بل تطير إليها بكل جناح، تسخر قوى الطبيعة وتفضح أسرار الكون، وتكشف عن بحار وقارات كانت مجهولة وتفتح فتوحاً جديدة في كل علم وفن وفي كل ناحية من نواحي الحياة ونبغ في هذه المدة القصيرة رجال ومبتكرون في كل علم وعبقرية أمثال كوبرنيكس (Copernicus) وبرونو (رضي الله عنهrunoe) وغليليو (Galilio) وكبلر (kepler) ونيوتن (Newton) ، وغيرهم الذين نسخوا النظام القديم وأسسوا نظاماً حديثاً واكتشفواعوالم في العلم، ومن الرحالين المكتشفين أمثال كلمبس (Columbus) وفاسكودي غاما (Vasco عز وجلagama) ومجلن (Maglin) . كان تاريخ الأمم في هذا الدور في صياغة وسبك، وكانت نجوم الأمم
والشعوب بعضها في أفول وبعضها في طلوع، يصير الآفل منها طالعاً والطالع آفلاً، وكانت ساعة في ذلك الزمان تساوي يوماً بل أياماً، ويوم يساوي عاماً بل أعواماً، فمن ضيع ساعة فقد ضيع زمناً.
تخلف المسلمين في مرافق الحياة:
ولكن المسلمين لم يضيعوا ساعات وأياماً بل ضيعوا أحقاباً وأجيالاً انتهزت فيها الشعوب الأوربية كل دقيقة وثانية، وسارت سيراً حثيثاً في كل ميدان من مادين الحياة وقطعت في أعوام مسافة قرون.
ومما ينبئ عن مقدار خمول تركيا في ميدان العلوم والصناعات أن صناعة السفن لم تدخل في تركيا إلا في القرن السادس عشر المسيحي، ولم تدخل المطابع في العاصمة والمحاجر الصحية في هذه الدولة إلا في القرن الثامن عشر، وكذلك مدارس الفنون الحربية على النسق الأوربي. وفي آخر هذا القرن كانت تركيا بمعزل عن الصناعات والاكتشافات، حتى لما شاهدوا بالوناً يحلق فوق العاصمة ظنوه من أعمال السحر والكيمياء. قد سبقتها دول أوربا الصغيرة في الأخذ بأسباب المدنية والرفاه العام، وحتى سبقتها مصر في اتخاذ السكك الحديدية واستعمال القطارات بأربعة أعوام وفي استعمال طوابع البريد ببضعة أشهر.