الانحطاط الفكري والعلمي العام:
ولم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا وأوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصاباً بالجدب العلمي، وشبه شلل فكري، قد أخذه الإعياء والفتور، واستولى عليه النعاس. ولعل القرن التاسع- إذا لم نقل القرن الثامن- آخر قرون النشاط والتوليد والابتكار في الدين والعلم، والأدب والشعر والحكمة، والقرن العاشر أول قرون الخمود والتقليد والمحاكاة، وترى هذا الخمود عاماً شاملاً للعلوم الدينية والفنون الأدبية والمعاني الشعرية والإنشاء والتاريخ ومناهج التعليم، فلا تجد في كتب التراجم التي ألفت للعصور الأخيرة من تطلق عليه لقب العبقري، أو النابغة أو المحقق
على الأقل، أو من جاء في فن من الفنون بشيء طريف مبتكر، أو زاد في العلم زيادة حسنة إذا استثنينا بعض الأفراد في أطراف العالم الإسلامي، كالشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي (م1024هـ) صاحب الرسالة الخالدة في الشريعة والمعارف الإلهية، والشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي (م1176هـ) صاحب حجة الله البالغة وإزالة الخفاء والفوز الكبير ورسالة الإنصاف، وابنه الشيخ رفيع الدين (م1233هـ) صاحب تكميل الأذهان وأسرار المحبة، والشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي (م1246هـ) صاحب منصب الإمامة والعبقات والصراط المستقيم (?) .
ولا نقرأ في شعر هذه العصور الأخيرة على كثرة ما نظم وقيل فيها شعراً مطبوعاً يعلق بالذهن أو إنشاء مترسلاً ينشرح له الصدر، ترى أدباً فاتراً بارداً قد أفسده التأنق في الحلية اللفظية والمبالغة والتهويل في الألفاظ والمعاني وكثرة التملق في المدح والغزل بالمذكر في الشعر، والتكلف حتى في الرسائل الإخوانية والأغراض الطبيعية والسجع البارد حتى في كتب التاريخ والتراجم.