بولس- فإن (سفر بدء التكوين) يحتوي على تفصيل للعالم الطبيعي، وإذ آمن النصارى بأنه كلام الله كان الواجب عليهم أن يقرروا صدقه، ولما كانت المشاهدة لا تؤيدهم في هذا التأويل لجأوا إلى الاستدلال وتمسكوا بأهداب أرسطاطاليس، لأن منطقه يعمل عمل السحر)) .
((ولما بدأ الغرب في دراسة الطبيعة بواسطة المشاهدة والاختبار والتحليل والتجزئة سقط في أيدي رجال الكنيسة، ولما وصل العلماء بطرق عملية إلى اكتشافات مهمة خاف علماء النصرانية على سيادة الكنيسة أن تنقرض، فحدث صراع عنيف بين الدين والعلم، وذهب كبار علماء الطبيعة الذين كانوا عاكفين على دراستهم وتحقيقهم ضحية علمهم)) .
((واضطرت الكنيسة النصرانية بعد المعارك الدموية بين الدين والعلم أن تواجه الواقع، فأدخلت علوم الطبيعة في برنامج مدارسها وكلياتها، وأصبحت جامعاتها التي لم تكن تختلف بالأمس عن مدارس المسلمين، مركزاً للعلوم الطبيعية والعلوم لحديثة، ولم تهجر مع هذا فلسفتها، وكان نتيجة ذلك أن ظل للكنيسة سلطان على فريق من الطبقة المثقفة، وكان للقسس الكاثوليك والبروتستانت مشاركة في العلوم الحديثة، وكانوا يقدرون على أن يباحثوا الناشئة في كل موضوع)) .
((وكان العلماء في تركيا العثمانية على الضد من ذلك، فلم يعنوا باكتساب العلوم الحديثة، بل منعوا الأفكار الجديدة أن تدخل في منطقتهم، وإذ كانوا متصرفين بزمام تعليم الأمة الإسلامية ولم يسمحوا لشيء طريف بأن يقرب منهم، فإن الجمود قد تغلب على نظامهم التعليمي، وكانت مشاغلهم السياسية قد طغت في دور الانحطاط، وكانت تسمح لهم بأن يتحملوا متاعب المشاهدة والاختبار، فلم يكن لهم إلا أن يلحوا على فلسفة أرسطاطاليس، ويبنوا علمهم على لاستدلال، فلم تزل المدارس الإسلامية في القرن التاسع عشر المسيحي، كما كانت في القرن الثالث عشر المسيحي (?)) .