ألف الحج والجهاد فما ... من سفرتين في كل عامِ

" الخليفة الناسك" (هارون الرشيد)

" من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه"

كلّما تقدمت أكثر في هذا الكتاب، أدركت عِظمَ حجمِ الكارثة التاريخية التي حلّت علينا جميعًا! أعترف أنني ما كنت أحسب الخليفة العباسي هارون الرشيد -وإلى وقتٍ قريب- إلا سكّيرًا ماجنًا ليس له همٌ في الدنيا إلى معاقرة الخمر والاستمتاع باللذات الدنيئة! فلقد كنت كغيري ممن نالتهم سهام غزاة التاريخ لا أكاد أسمع باسم هارون الرشيد بالذات، إلا ويدور في خلجي ما رسمه لنا أولئك الغزاة عن تلك الليالي الماجنة في قصور بغداد، والتي تزينها الرقصات الرشيقة من قِبل الجواري الحسان اللائي تتراقصن بدورهن على أنغام الموسيقى، في الوقت الذي يحمل فيه غِلمان صغارٌ أباريقًا من خمرٍ تزيد من مجون الخليفة ووزرائه، والذين علت أصوات قهقهاتم حتى وصلت إلى خارج أسوار بغداد! لذلك أعتقد أن الوقت قد حان لكي نعترف أننا وقعنا بالفعل في شباك غزاة التاريخ، بل إنني أرى أنه ينبغي علينا أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لكي نعترف أننا هُزمنا في الحرب التاريخية التي شُنَّت علينا خلال المائة أو المائتين عامٍ الماضية، وهذا ليس عيبًا أبدًا، فمعرفة الخطأ هي بداية عملية تصحيح المسيرة، فإن كان غزاة التاريخ قد انتصروا بدون أدنى شك في جولتهم السابقة، فإنهم بدأوا يواجهون في السنوات الآخيرة بالتحديد، رجالًا أبطالًا حملوا راية الجرح والتعديل لتاريخ هذه الأمة المجيدة، ليعيدوا كتابة تاريخها من جديد، ليخلِّصوها من الشوائب التي علِقت بها من قِبل المستشرقين وعملائهم، ليتغير بذلك مسار رحى المعركة التاريخية الشرسة بيننا وبينهم لصالح هذه الأمة، وإن كنّا نسلم بأن ذلك التغيير ما زال بطيئًا إلى حد الآن، إلا أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015