المهم أن يستمر الجميع في عمله، فدرب الألف ميل يبدأ بخطوة، فمن كان يستيطيع الكتابة فليكتب شيئًا يساهم به في تلك الحرب الشرسة، ومن قرأ شيئا فليبلغه لأهله وزملائه، فيا من تطلبون الجهاد وتصرخون من أجله، هذه هي ساحتكم، فليس الجهاد أن تحمل رشاشا لتقتل به الأبرياء، وليس الجهاد أن تلقي بنفسك وبأمتك إلى التهلكة، بل الجهاد هو أن تنصر أمتك، والأمة الآن تحتاج إلى رجالٍ صادقين، وإلى نساءٍ صادقات، يصحح كل منهم تلك المفاهيم التاريخية الخاطئة التي تعلمناها في مدارسنا، أو شاهدناها في إعلامنا، ولعلكم ستعجبون الآن عند اضطلاعكم على القصة الحقيقية للتاريخ الحميد، للخليفة الرشيد، والمجاهد الصنديد، والمقاتل العتيد، البطل الإسلامي المجيد: هارون الرشيد رحمه اللَّه تعالى وأسكنه فسيح جناته.
وهذا الخليفة العباسي الهاشمي العظيم كان على العكس تمامًا من الصورة الذي أشاعها غزاة التاريخ عنه، فقد كان رحمه اللَّه من أكثر خلفاء الإسلام جهادًا وغزوًا واهتمامًا بالعلم والعلماء، وليس كما يدعي الغزاة أنه كان منشغلًا بالجواري والخمر والسكر، فكتب التاريخ الإسلامي الأصلية مليئة بمواقف رائعة للرشيد في نصرة الإسلام والمسلمين، وزاخرة بمواقف زهده وورعه وتقواه، بل إن هارون الرشيد كان معروفًا أنه "الخليفة الذي يحج عامًا ويغزو عامًا"! فقد كان رحمه اللَّه ديِّنًا محافظًا على التكاليف الشرعية، وصفه مؤرخو الإسلام أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، ويتصدق من ماله الخاص بدون حساب، ولا يتخلف عن الحج إلا إذا كان مشغولًا بالغزو والجهاد، بل إن جمعًا كبيرًا من العلماء كانوا يذكرون أن هارون الرشيد كان من أكثر الناس تقريبًا للعلماء، ومن أشد الناس بكاءً عند سماعه للمواعظ، فقد قال عنه الإمام العظيم (أبو معاوية الضرير): "ما ذكرت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين يدي الرشيد إلا قال صلى اللَّه على سيدي ورويت له حديثه وددت أني أقاتل في سبيل اللَّه فأقتل ثم أحيى ثم أقتل فبكى حتى انتحب". بل إن أبا معاوية الضرير (الذي كان ضريرًا بالفعل) روى قصة عجيبة عن هارون الرشيد الذي كان يملكها من الصين إلى الأطلنطي فقال: "صبّ على يدي بعد الأكل شخصٌ لا أعرفه فقال الرشيد تدري من يصب عليك قلت: لا. قال: أنا إجلالا للعلم! ". وكان علماء الأمة يبادلونه نفس التقدير، فقد رُوي عن (الفضيل بن