سنة، فقال ابن عباس لصاحبٍ له: دعنا نتعلم من أصحاب رسول اللَّه فإنهم اليوم كثير (أي قبل أن يموتوا واحدًا واحدًا)، فضحك منه زميله وقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من ترى؟! فترك ذلك الفتى العلم، وأقبل ابن عباس على سؤال الصحابة والتعلم منهم، فكان إذا سمع أن هناك حديثًا عند رجلٍ منهم، ينطلق كالبرق إلى بيته في عز الظهر، ليفرد رداءه على الرمل أمام بيته ينتظر خروجه، فتسفي الريح عليه التراب، حتى يخرج الصحابي فيراه على تلك الحال والتراب يغطيه، فيقول له: يا ابن عم رسول اللَّه ألا أرسلت إلي فآتيك (أي آتيك لبيتك لأعلمك)، فيقول له ابن عباس بأدب طالب العلم: أنا أحق أن آتيك فأسألك! ومرت الأيام والسنين، حتى رآه صاحبه الذي رفض العلم وقد أحاط الناسُ به من كل اتجاه يريدون التعلم منه، فنظر إلى ابن عباس بحسرة وقال: هذا الفتى أعقل مني! وعندما قرر الحسين -رضي اللَّه عنه- الخروج للعراق كان العباس أحد الذين نصحوا الحسين بقوله له: "إن أهل العراق قوم غدرٍ فلا تقربنهم" ولكن الحسين رحمه اللَّه أصرَّ على المسير للعراق بعد ان اطمأن من مئات الرسائل التي بعثها الشيعة إليه من هناك، ليقوم نفس الذين بعثوا إليه الرسائل بحمل السيوف ضده، ليغدروا به ويقتلوه، ليصدق ظن ترجمان الأمة بأولئك القوم الخونة!
العجيب أن اللَّه شاء أن يُولدَ لعبد اللَّه بن عباس ولدٌ اسمه علي، ليولد لعلي ولدٌ اسمه محمد، ليُولد لمحمدٍ ولا اسمه عبد اللَّه، ليُولد لعبد اللَّه ولدٌ اسمه محمد، ليولد لمحمد طفلٌ في غاية الوسامة والجمال، هذا الطفل سيحمل عندما يكبر راية سوداء مكتوبٌ عليها باللون الأبيض "لا إله إلا اللَّه، محمدٌ رسول اللَّه" ليرفعها عاليًا في ثلاث قارات، فيكون عصره أكثر عصور دولة الإسلام ازدهارًا على الإطلاق، ليستحقَّ أن يسجَّل اسمه في سجل العظماء في أمة الإسلام. فمن تراه يكون ذلك الخليفة الإسلامي الرشيد؟ ولماذا شوِّهت صورته من قِبَل الإعلام العربي والغربي على حد سواء؟ وهل حقًّا كان رجلًا سِكيّرًا مغرمًا بالراقصات؟ أم تراه كان من أتقى وأورع وأعظم من حكم أمة محمد في تاريخها بأسره؟!
يتبع. . . . . .