من موت ابن عمر، إلا أنني أرى أن الشيعة أصابوا كبد الحقيقة في اعتقادهم هذا، فإذا كانت الوهابية هي تطبيق القرآن والسنة والبعد عن التقليد الأعمى فقد صدقوا باستنتاجهم! فعبد اللَّه بن عمر لم يكن يُحَكم إلا القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، فلم يكن ابن عباس يأخذ إلا بالقرآن وما صحَّ من أحاديث رسول اللَّه بفهم إجماع الصحابة، ضاربًا بعرض الحائط ما يتعارض مع ذلك حتى ولو كان صادرًا من أسماءٍ عملاقة، وهو صاحب المقولة الشهيرة: "ومن أبي؟! ". وقد رُوي رواية للترمذي أن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- رأى رجلا يعطس ويقول: الحمد للَّه والصلاة على رسول اللَّه! فنظر إليه ابن عمر وقال له: وأنا أيضا أحمد اللَّه وأصلى على رسوله لكن ما هكذا علمنا رسول، لقد علمّنا أن نقول الحمد للَّه!
عبد اللَّه بن الزبير: ابن حواري رسول اللَّه، وابن ذات النطاقين أسماء، وابن اخت أم المؤمنين عائشة، وحفيد أبي بكر الصديق، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان زوج خالته عائشة، وابن خال أبيه، وزوج عمة أبيه "خديجة"، فمن هذا الأصل الطاهر وُلد النبت الطاهر عبد اللَّه بن الزبير ليكون أوّل مولودٍ في الهجرة، ليتربى في مدرسة النبوة، لينهل منها دروس الفداء والتضحية، فهذا البطل بن البطل يرافق أباه طفلًا في معركة اليرموك، فقد كان أبوه الزبير يردفه على فرسه وهو يقتحم صفوف الأعداء ليعلمه فنون البطولة الإنسانية في أبهى صورها، فشهد يوم اليرموك، كما شهد فتح أفريقيا والمغرب وغزو القسطنطينية، ويوم الجمل مع خالته السيدة عائشة وكان يضرب المثل بشجاعته، وكانت خالته الطاهرة عائشة تعتبره ابنها الذي لم تنجبه، فكانت تكنى به فيقال لها "أم عبد اللَّه"!
عبد اللَّه بن عباس: حَبر الأمة، وترجمان القرآن، مؤسس علم التفسير، وأعظم مفسر للقرآن في أمة محمد، هو ابن العباس عم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وابن عم علي، وابن عم جعفر، وابن أخ حمزة، ولد ببني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين، وكان النبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- دائم الدعاء له، فقد دعا له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يملأ اللَّه جوفه علمًا وأن يجعله صالحًا. وكان النبي يدنيه منه وهو طفل صغير ويربّت على كتفه وهو يقول: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". ولابن عباس قصة طريفة تعتبر مثالًا لكيفية التفوق العلمي لجميع بني البشر بدون استثناء، فقد توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعمر ابن عباس لا يتجاوز ثلاث عشرة