ثخانته وهي التي تمنع التغيير، ثم رفع أصبعه التي أدخلها في الطلاء فتبعها الطلاء يتمطط لثخانته ولو كان رقيقا في حكم الشراب لم يتبع يده ولا إصبعه منه شيء ويجعل يقطر ما يتعلق بإصبعه منه إن كان تعلق منه شيء. انتهى.
وقوله: يتمطط أي يتمدد، وقول عمر: هذا الطلاء يريد أنه يسمى بالطلاء على معنى التشبيه بذلك، ولذلك قال: هذا مثل طلاء الإبل في ثخانته وبعده عن التغيير ثم أمرهم بشربه ولو راعى أبو حنيفة أن يعود إلى مثل هذا من القوام والثخانة لما أباح للناس إلا شرب ما يؤمن فساده، فإن هذا في قوام العسل ولا يمكن شرب مثله إلا أن يمزج بالماء فلا يخاف على مثل هذا التغييرُ أبدا، وأما ما كان من عصير يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه رقيقا يسرع إليه التغيير ويطرأ عليه الفساد فليس له حكم هذا الذي قد صار في قوام العسل الذي لا يتغير ولو أمسك أعواما، ولو كان ذهاب الثلثين منه يجزئ على كل حال لما احتاج عمر إلى أن يراه ويختبره ويدخل إصبعه فيه ويرفعه ليعلم بذلك ثخانته؛ ولقال للذي قال له: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب مالا يسكر؟ أنا أعلم بذلك منك أطبخه حتى يذهب منه الثلثان، ولا يراعى أيسكر أم لا. ولما قال له افعل علم أنه إنما أمره أن يعمل منه ما لا يسكر وأنه اختبر صدقه وعلم صحة قوله بما شاهد من ثخانته وأنه في قوام طلاء الإبل ثم أظهر تصديق قول الصانع وإجابته إلى ما سأل بأن يكون على مثل هذد الصفة التي ادعى أنها لا تسكر، فمن أباح شرعا ما يسكر من ذلك بذهاب الثلثين فقد خالف إجماع الصحابة لأنهم بين قائلين، قائل يقول بمثل قول عمر إنها إذا لم تسكر لما عادت إليه من القوام أنه مباح عملها واتخاذها، وقائل أنكر على عمر رضي اللَّه عنه إباحتها مع ذلك كله خوفا من الذريعة بإباحته إلى شرب المسكر منها، فمن أباح شرب المسكر منها على ما أفتى به أبو حنيفة فقد خالف إجماعهم. وقد روي أن علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه كان يرزق الناس طلاء يقع فيه الذباب فلا يستطيع أن يخرج منه. انتهى.
وبتأمل كلام الموطإ والباجي يعلم أنَّ مَا شاع على ألسنة كثير من الناس أنَّ ما اشتد طبخه من العصير إنما في شربه الضرر ولا نفع فيه للأبدان غير صحيح، وبتأمل ذلك يعلم ما في مدحهم لما خفَّ طبخه فلم تذهب مائيته، ويتنافسون في ذلك جدا حتى أدى ذلك إلى فساد عظيم وضرر في