وأخبروا عمر أنه لا يصلحهم إلا ذلك يريد أن أبدانهم لا تألف غيره فأمرهم عمر أن يشربوا العسل وذلك أنه لم يكن علم أن يتخذ من العصير ما يبقى ويسلم من الشدة المطربة، وعلم أن العسل يبقى المدة الطويلة فعدل بهم إليه ليقتنوه فمتى أرادوا شربه خلطوه بالماء، فقالوا إنه لا يصلحنا العسل وهذا يقتضي أنه لم يبح لهم شرب ذلك الشراب المسكر للتداوي، وقد تقدم ذكره. ولما توقف عمر رضي اللَّه عنه عن إجابتهم إلى ما أرادوه من شرب شراب العنب لاعتقادهم أنه لا يمكن ادخاره، قال له [رجل] (?) من أهل الأرض: -يريد ممن نشأ فيها- هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر لعلمه بذلك أنه يمكن أن يدخر ولا يتغير ويتوصل إلى ذلك يصنعة قد علمها، فقال له عمر: نعم فإنه إنما منعهم منه لما علم من التغيير وتعذر عنده من بقائه دون أن يفسد، وقوله: فطبخه حتى ذهب منه الثلثان معنى ذلك أنه ذهب منه المائية التي تحدث إفساده ويسع بها تغييره وبقيت عسيلته خالصة، وإنما خص ذلك بذهاب الثلثين وبقاء الثلث لأن هذه كانت صفة عصير ذلك العنب في ذلك البلد، وقد روى ابن المواز في طبخ العصير: لا أحُدُّ بذهاب ثلثيه وإنما أنظر إلى المسكر، قال أشهب: وإن نقص تسعة أعشاره بذلك، قال ابن المواز: وليس ذهاب الثلثين في كل بلد ولا من كل عصير، فأما الموضع المختص بذلك فلا بأس به، وقول ابن حبيب: من تحفظ في خاصته فعمل الطبيخ فلا يعمله إلا باجتماع وجهين؛ أن يذهب ثلثاه ويوقن أنه لا يسكر: فأما أحد الوصفين من أنه لا يسكر فصحيح ولا يحتاج إلى سواه؛ لأنه إذا لم يسكر فسواء ذهب ثلثه أو ربعه أو أكثر أو أقل؛ ثم قال: ويتحرر بتيقن سلامته من الفساد في سائر البلاد، وإذا اعتبر السلامة من أن يسكر استغنى عن سائر الأوصاف، وجعل أبو حنيفة ذهاب الثلثين حدا في جواز شرب ما يبقى وإن كان يسكر من كثيره، والدليل على ما نقوله أن هذا شراب فيه شدة مطربة فوجب أن يكون قليله حراما. وقوله: فأتوا به عمر بن الخطاب فأدخل فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط اختبار من عمر رضي اللَّه عنه لما أخبره به وإشراف عليه بالمشاهدة والمباشرة واعتناء بأمور المسلمين ومصالح دينهم ودنياهم، فأدخل إصبعه ليختبر