وقال أبو حنيفة: إنما الخمر اسم المسكر من عصير العنب ما لم يطبخ الطبخ المذكور، والدليل على ما نقوله ما روي عن ابن عمر أنه قال: (خطب عمر على منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل) (?). ووجه الدليل من هذا الخبر أن عمر بن الخطاب، قال: إن الخمر يكون من هذه الأشياء الخمسة، وعمر بن الخطاب من أهل اللسان، فلو انفرد بهذا القول لاحتج بقوله كيف وقد خطب بذلك بحضرة قريش والعرب؛ فلم ينكر ذلك عليه فثبت أنه إجماع، ووجه آخر وهو أنه قال: والخمر ما خامر العقل وكل ما خامر العقل فإنه يسمى الخمر وأنها بذلك تسمى خمرا، والدليل أن كل مسكر حرام، قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فلنا من الآية أدلة فبينها وأنهاها إلى خمسة، وقال متصلا بذلك ما نصه: ودليلنا من السنة ما رواه أبو داوود عن أبي الفرات عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) (?) ودليلنا من جهة القياس أن هذا شراب فيه شدة مطربة، فوجب أن يكون قليله حراما أصله عصير العنب. واللَّه أعلم. انتهى. فانظر كيف جعل قول أبي حنيفة مخالفا للكتاب والسنة والإجماع والقياس؟ وانظر ما قاله عن أصحاب أبي حنيفة وما وَجَّهَ به ما حكاه عنهم يتبين لك صحة ما قلناه.
وقال أيضا في المنتقى عند قول الموطإ: عن عائشة رضي اللَّه عنها: سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن البتع، فقال: (كل شراب أسكر حرام). انتهى. ما نصه: فسألوه عن البتع وهو شراب العسل وذلك لما نزل تحريم الخمر وعلموا تحريمها بنص الكتاب، فسألوه عما يقع عليه هذا الاسم ليعلموا أن الذي ورد من ذلك محمول على عمومه أو مخصوص ببعض يتناوله اللفظ، فَإن قِيلَ: لو كان اسم الخمر يقع على البتع وغيره من الأشربة لما سألت العرب، إذ سمعت تحريم