الخمر عن البتع لأن البتع هو الخمر؟ فالجواب عنه من وجهين: أَحَدُهُمَا أنه يسأل عن ذلك من لم يبلغه تحريم الخمر وإن بلغه تحريم النبيذ أو بلغه تحريم الخمر باسم خاص، مثل أن يبلغه تحريم خمر العنب أو تحريم خمر التمر، وَالْوَجَهُ الثَّانِي أن يكون نوع من الخمر غالبا على بلد من البلاد فيكون خمر التمر غالبا على بلد ما، وخمر العنب غالبا على بلد آخر، وخمر الذرة أغلب في بلد آخر فيكون لفظ الخمر إذا أطلق في ذلك البلد كان أظهر فيما هو الأغلب عندهم لكثرته وكثرة استعمال هذا الاسم فيه دون غيره مما هو معدوم عندهم، فيسأل أهل كل بلد عن غير ما هو الأغلب عندهم؟ لتجويز أن يكون الحكم مقصورا على ما هو الأغلب عندهم، ثم ذكر وجهين آخرين، ثم قال: وقد روي عن أبي موسى أنه سأل عن ذلك، فقال: (بعثني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول اللَّه إن بها أشربة يقال لها البتع والمزر، قال: وما البتع؟ قلت: شراب يكون م العسل والمزر يكون من الشعير، فقال: كل مسكر حرام). وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: (كل شراب أسكر حرام)، وقد سئل عن البتع دليل على أنه أجاب عن جنس الشراب لا مقدار ما حرم منه، ثم قال: فلما كان السؤال عن البتع يقتضي أن السؤال عن جميعه ثبت أنه سؤال عن جنسه وجوابه صلى اللَّه عليه وسلم: (كل شراب أسكر حرام) يقتضي الجواب عن أجناس الشراب ليكون مقابلا للسؤال؛ ولأنه صلى اللَّه عليه وسلم علق الحكم على الجنس، فقال: (كل شراب أسكر حرام) فكان ذلك جوابا عنه وعن غيره، ولو أراد الإخبار عن أبعاضه وأن بعض مقاديره حرام وبعضها حلال لقال: كل مقدار أسكر حرام، أو لقال: كل ما أسكر منه فهو حرام، واستغنى عن إعادة لفظ الشراب لأنه لا خلاف أن اسم الشراب واقع على الجنس دون بعض مقاديره، فإذا علق الحكم بالجنس ولم يعلقه بالقدر كان الظاهر أنه أراد به الجنس دون القدر. واللَّه أعلم. انتهى. فأنت تراد سلم أن حديث عائشة هذا حجة على أبي حنيفة، وإذا سلم ذلك فهي حجة قوية قاطعة للنزاع لأن هذا الحديث متفق على صحته، ورد معناه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم من طُرُق صحاح، ففي الجامع الصغير: (كل مسكر حرام) (?).