يفارقه قبل ذلك علي هذا لكن لما تكررت مناظرته له فيه وتبين له وجه الصواب فيما قاله مالك اعتقد أنه لا يعاود شربه. انتهى. ونقل في التوضيح بعضه عند قول ابن الحاجب: والصحيح أنه لا حد على المجتهد يرى حلية النبيذ ومقلده، وزاد ما نصه: وصحح هذا القول غير واحد من المتأخرين؛ لأنا إذا قلنا كل مجتهد مصيب فواضح وإن كان المصيب واحدا فلا أقل أن يكون ذلك شبهة؛ وأُورِدَ على قول مالك بحده أنه قد نفى الحد عن المتزوج بلا ولي، وَأُجِيبَ بأن مفسدة النكاح يمكن تلافيها بالإصلاح ورده إلى العقد الصحيح كغير هذه الصورة من النكاح الفاسد، ولا يحكن ذلك في الأشربة فلا بد من الزجر عنها وهو الحد وفيه نظر. انتهى.
قُلْتُ: إنما فرق الإمام وأصحابه بين النكاح بغير ولي وبين شرب النبيذ، لضعف قول أبي حنيفة جدا في الثاني بخلاف الأول، وقد وقع للباجي نفسه ما يشهد لما قلناه ويفيد أن ما صوبه غير صواب: وأن الحق ما قاله مالك وأصحابه، فإنه قال بعد ما قدمناه عنه بيسير عند قول الموطإ: قال مالك: السنة عندنا أن كل من شرب شرابا مسكرا فسكر أو لم يسكر فقد وجب عليه الحد. انتهى. ما نصه: وهذا كما قال إن من شرب مسكرا أي نوع كان من الأنواع المسكرة من عنب كانت أو من غير عنب مطبوخا، كان أو غير مطبوخ قليلا شرب منه أو كثيرا: فقد وجب عليه الحد، سكر أو لم يسكر. هذا مذهب أهل المدينة، مالك وغيره. وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: ما خرج من النخل والكرم فقليله وكثيرد حرام ما لم يطبخ، وطبخه أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، وما عدا ما يخرج من النخل والكرم فهو حلال من غير طبخ إلا أن المسكر منه حرام، وهذه المسألة قد كاد أصحاب أبي حنيفة يجحدونها ولا يرون المناظرة فيها، ويقولون: إن السائل عنها إنما يذهب إلى التشنيع والتوبيخ، وذلك أنه لطول الأمد ووصول الأدلة إليهم وتكررها عليهم تبين لهم ما فيها، إلا أنهم مع ذلك يدونونها في كتبهم بألفاظ ليس فيها ذلك التصريح، ويتأولونها على أوجه تخفف أمرها عندهم، ولنا في هذه المسألة طريقان: أحدهما إثبات اسم الخمر لكل مسكر، والثاني تحريم كل شراب مسكر، فأما الأول فإن مذهب مالك والشافعي أن اسم الخمر يقع على كل مسكر شراب من عنب كان أو من غيره.