والحاصل أن الخمر حرام عنده ما أسكر منها وما لم يسكر كمذهبنا فيها، وأما النبيذ المسكر فحرام عندنا ما أسكر منه وما لم يسكر ويحد عندنا في الوجهين، وعند الحنفي: يجوز منه ما لا يسكر ويحرم ما يسكر فيحد عنده فيما يسكر دون ما لم يسكر. قال الشبراخيتي: ولو حنفيا بشرب النبيذ أتي نبيذ غير العنب الذي دخلته الشدة المطربة فإن قليله وكثيره عندنا حرام وفيه الحد، وعند الحنفي إنما يحرم منه القدر المسكر فقط كما لو كان، إنما يسكر بعد قدحين أو يسكر بأربعه أو يسكر بثلاثة فالمحرم القدح الأخير فقط وما قبله جائز، فالمحرم في الأول قدح واحد، فإن شرب واحدا فقط فلا حد ولا حرمة وهكذا في الثلاثة والأربعة وعندنا يحد بالواحد وغيره قليلا أو كثيرا ويحرم، وأما نبيذ العنب فالحد والحرمة باتفاق منا ومنه. انتهى.
وصحح نفيه يعني أنه صحح القول بنفي الحد عن الحنفي الشارب لنبيذ غير العنب حيث لم يشرب منه القدر المسكر، والقول بنفي الحد للباجي في المنتقى، فإنه قال: الصواب لا حد عليه حتى يسكر وصححه غير واحد من المتأخرين، وقال عبد الباقي: ولو حنفيا بشرب النبيذ وهو ما اتخذ من زبيب ولم يسكر لجوازه عنده فيحد إذا رفع لمالكي، وأما ما يغيب منه فيحرم ويحد عندد أيضا، وأما الخمر فحرام عنده أيضا وإن لم يسكر، وإنما حد عندنا بالنبيذ لضعف مدرك حله وإذا حد لم تقبل شهادته على المشهور، وإن تاب قبلت في غيره كما تقدم في قوله: "أو من حد فيما حد فيه"، وقيل: لا يحد وتقبل شهادته، وإليه أشار بقوله: "وصحح نفيه"أي الحد. انتهى.
وقال الرهوني: رد المنصف بلو قول الباجي في المنتقى: الصواب أنه لا حد عليه إلا أن يسكر كما في التوضيح؛ ونص المنتقى: ومن تأول في المسكر من غير الخمر أنه حلال فلا عذر له في ذلك وعليه الحد. رواه ابن المواز عن مالك وأصحابه. ولعل هذا إنما هو فيمن ليس من أهل الاجتهاد، وأما من كان لمن أهل الاجتهاد والعلم فالصواب أن لا حد عليه إلا أن يسكر منه، وقد جالس مالك سفيان الثوري وغيره من الأئمة ممن كان يرى النبيذ مباحا فما أقام على أحد منهم حدا ولا دعا إليه مع إقراره بشربه وتظاهرهم ومناظرتهم فيه، وقد روي عن مالك أنه قال: ما ورد علينا مشرقي مثل سفيان الثوري؛ أما إنه آخر ما فارقني على أن لا يشرب النبيذ وهذا يقتضي أنه لم