عبد الباقي: "وأفهم قوله ولا يقلد" الخ، قال الشيخ محمد بن الحسن: فإن قلت أي فائدة في التصديق إذا لم يقلده؟ قلت: أجيب بأن فائدة التصديق في الأدلة إن سأله عنها، وفي جهة قبلة البلد المعين فيقلدها. انتهى. وقال الشيخ محمد بن الحسن: إن المجتهد الذي خفيت عليه الأدلة حكمه كالمقلد وهو غير المتحير الآتي؛ لأن المتحير الآتي هو من التبست عليه الأدلة مع ظهورها؛ أي تعارضت عنده الأمارات. وأما المتحير ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يتخير كما يأتي، الثاني يقلد غيره، الثالث يصلي أربعا.
ولا محراب يعني أنه لا يجوز للمجتهد أن يقلد محرابا. إلا لمصر يعني أن المجتهد إذا قلنا إنه لا يجوز له أن يقلد محرابا، فإنما محل ذلك حيث لم يكن المحراب لمصر كبير، وأما إن كان لمصر كبير بحيث يعلم أن محرابه إنما نصب باجتهاد جمع من العلماء سواء كان عامرا أو خرابا فيجوز تقليده، ولا يجب لأنه أقرب إلى الصواب من اجتهاد واحد ما لم يقطع بخطئه، وإلا فلا يقلده مجتهد ولا غيره. وليس بالديار المصرية بلد يقلد محاريبه المشهورة إلا مصر والقاهرة والإسكندرية، وبعض محاريب دمياط وقوص. وأما المحلة ومنية بني خصيب والفيوم فإن جوامعها في غاية الفساد، وليس بينها وبين الكعبة ملابسة، والصواب أن محراب الجامع الأزهر لا انحراف فيه، وقد ألف التاجوري تأليفا بيِّن فيه أن جل محاريب فاس متباينة، وسبب بناء الأقدمين لها كذلك أنهم فهموا قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة (?))، على الإطلاق، وليس كذلك، فقد قال بعض أهل العلم: وقد اجتمعوا على أن الحديث مخصوص بأهل المدينة ومن كان على سمتهم. انتهى. وأما من كان في المشرق والمغرب فقبلته فيما بين الجنوب والشمال. قاله الشيخ محمد بن الحسن. وظهر من هذا أن المحاريب المتباينة لا تقلد ولو كانت لمصر كبير لكونها لم تتفق على جهة واحدة.
وإن أعمي يعني أن المجتهد لا يجوز له أن يقلد مجتهدا آخر ولا محرابا لغير مصر كبير، سواء كان المجتهد أعمى أو بصيرا لقدرة الأعمى على الاجتهاد بالسؤال كما قال.