فلو قالت دمي وجنيني عند فلان ففيها القسامة يعني أن الجنين لا قسامة فيه كما مر، فلذلك لو قالت امرأة دمي وجنيني عند فلان فماتت المرأة ففي المرأة القسامة؛ لأن قولها لوث يقسم معه الأولياء، ولا شيء في الجنين لأنه بمنزلة الجرح حيث لم يستهل والجرح لا قسامة فيه، وإن استهل أي لا شيء في الجنين استهل أم لا، لما علمت أنه إن لم يستهل فهو كالجرح، وأما إن استهل فهو بمنزلة قولها: قتلني وقتل فلانا معي، وقولها: وقتل فلانا معي، ملغى، قال المواق من المدونة: إن قالت: دمي عند فلان فخرج جنينها حيا فاستهل صارخا ثم مات ففي الأم القسامة، ولا قسامة في الولد لأنها لو قالت: قتلني وقتل فلانا معي لم يكن في فلان قسامة. انتهى. وقال ابن الحاجب: ولذلك لو ألقت جنينا ميتا وقالت دمي وجنيني عند فلان وماتت، كانت القسامة في الأم ولا شيء في الجنين، ولو ثبت الأمران بعدل واحد فالقسامة في الأم ويمين واحدة في الجنين. انتهى.
وقد بان من هذا أن القسامة في الأم تثبت بقولها وبالشهادة، وأما في الجنين فلا تثبت القسامة إلا بالشهادة، ومحلها حيث نزل حيا. واللَّه تعالى أعلم.
ولما فرغ رحمه اللَّه من الكلام على القتل والجرح الذين يكون عنهما إذهاب النفس الذي هو من أعظم الذنوب في حق الآدميين، أتبع ذلك بالكلام على الجنايات التي توجب سفك الدماء وما دونه من العقوبات، والجناية هي ما يحدثه الرجل على نفسه أو غيره مما يضر حالا أو مآلا، والجنايات الموجبة للعقوبة سبع: البغي والردة والزنى والقذف والسرقة والحرابة والشرب، وبدأ المصنف بالبغي لأنه أعظمها مفسدة إذ فيه إذهاب الأنفس والأموال غالبا، فقال: