باب: أي هذا باب ذكر فيه أحكام البغي، والبغي في اللغة قال الجوهري: هو المتعدي، وقال ابن العربي في أحكام القرآن: إن مادة: ب، غ، ي، للطلب، إلا أنه في العرف مقصور على طلب خاص وهو ابتغاء ما لا ينبغي ابتغاؤه. انتهى. وفي الاصطلاح، قال ابن عرفة: البغي هو الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة ولو تأولا. انتهى. والباغية هي فرقة من المسلمين خالفت الإمام لشيئين، إما لمنع حق وجب عليها من زكاة أو حكم من أحكام الشريعة أو الدخول في طاعته فإنه حق أو مخالفة لخلعه، قال ابن عبد السلام: والمراد بالإمام هنا الإمام الأعظم أو نائبه. انتهى.
وقال في التوضيح: فخرج الخروج من طاعة غير الإمام فإنه لا يسمى بغيا يريد أو نائبه، وعلم أنها لو خرجت لا لمنع حق بل لمنع ظلم كأمر بمعصية ليست بباغية، كما يفهم من كلام ابن عرفة، ولا بد من كون الخروج مغالبة. وقال ابن عبد السلام: ولفظ مغالبة كالفصل؛ لأن من عصى الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة ونحوه في التوضيح، وكأنهم يعنون بالمغالبة المقاتلة، فمن خرج من طاعة الإمام من غير مغالبة لا يكون باغيا، ومثل ذلك ما وقع لبعض الصحابة رضي اللَّه عنهم وحشرنا في زمرتهم وأماتنا على محبتهم وسنتهم أنه مكث شهرا لم يبايع الخليفة ثم بايعه رضي اللَّه عنهم أجمعين.
فائدة: قال القرطبي في شرح مسلم: البيعة مأخوذة من المبيع، وذلك لأن البائع يلزمه أن يقي الإمام بنفسه وماله، فكأنه بذل نفسه وماله للَّه تعالى، وقد وعد اللَّه تعالى بالجنة فكأنه حصلت معاوضة، ثم هي واجبة على كل مسلم، لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) (?)، غير أنه من كان من أهل الحل والعقد والشهرة فبيعته بالقول والمباشرة باليد إن كان حاضرا وبالقول والإشهاد عليه إن كان غائبا، ويكفي من لا يؤبه له ولا يعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام ويسمع ويطيع له في السر والجهر ولا يعتقد خلاف ذلك، فإن أضمره فمات مات ميتة جاهلية؛ لأنه لم يجعل في عنقه بيعة. انتهى.