بالحجر الأسود، وكان قد رفع إلى السماء حين غرقت الأرض كما رفع البيت، فنزل به جبريل، فوضعه إبراهيم موضع الركن، وجاء إسماعيل بالحجر من الوادي فوجد إبراهيم قد وضع الحجر، فقال: من أين هذا، من جاءك به؟ قال إبراهيم: من لم يكلني إليك ولا إلى حجرك، وأمر إبراهيم بعد فراغه من البناء أن يؤذن في الناس بالحج، فقال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال الله جل ثناؤه: أذن، وعلي البلاغ: فارتفع على المقام؛ وهو يومئذ ملصق بالبيت، فارتفع به المقام حتى كان أطول من الجبال، فنادى وأدخل إصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم عز وجل، فأجابه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الأرض كلها: لبيك اللهم لبيك، أفلا تراهم يأتون يلبون؟ فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهو ممن استجاب لله عز وجل (?).

ومع الأمن استقبال عين الكعبة لمن بمكة؛ يعني أنه يشترط في صحة الصلاة مع الأمن والقدرة أن يستقبل المصلي في جميع صلاته عين الكعبة؛ أي ذاتها يقينا بجميع بدنه، فلو انحرف عنها ولو بأنملة، بطلت صلاته، هذا إذا كان المصلي بمكة وما في حكمها مما يجاورها بحيث تمكن المسامتة قولا واحدا، ولا يعارض هذا ما يأتي من أن التلفت بجسده كله عن القبلة وقدماه لها أن صلاته صحيحة، نعم، الالتفات الذي لا ينحرف به إلا إلى جزء من أجزاء البيت غير مضر كما نصوا عليه. والله سبحانه أعلم. ومسامتة عين الكعبة لمن بممسجد مكة ظاهر، وأما لمن بمكة ومجاورها فهو بأن يطلع على سطح أو غيره، ويعرف سمت الكعبة بالمحل الذي هو به، فإن لم يقدر على طلوع السطح أو كان بليل استدل بأعلام البيت: كجبل أبي قبيس ونحوه على مسامتته لذاتها، بحيث لو أزيل الحاجز بينه وبينها كان مسامتا لها، وحيث عرف المسامتة في داره أول مرة بالعلامات كفاه ذلك في بقية الصلوات دائما في بيته، فليس المراد أنه لا تصح الصلاة إلا بمسجدها ولوجوب المسامتة يصلون دائرة وقوسا بالمسجد إن لم تحصل إلا بذلك، ومفهوم قوله: "مع الأمن"، أنه مع الخوف لا يجب الاستقبال كما سيقول المصنف في فصل صلاة الخوف:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015