ونيف؛ لحديث الصحيحين: (من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات (?)).
وكل ما يعرض للإنسان من حركة أو سكون فلا يخلو من أن يكون مأمورا به وجوبا أو ندبا، أو منهيا عنه تحريما أو كراهة، أو مباحا وأقل ما ينوي العاقل بفعل الأول بقسميه امتثال أمر الله في فعله، وفي الثاني بقسميه امتثال أمر الله تعالى بتركه، وفي الثالث أن الله تعالى تفضل عليه بإباحته، وأنه لو نهاه عنه ما فعله، فإن قدر على تنمية تلك النيات فله بحساب ما نوى، فينوي بدخول المسجد والجلوس فيه مثلا أنه زائر لبيت ربه ويرجو إكرامه؛ لأن الكريم المزور يكرم، فما ظنك بأكرم الأكرمين؟ وينوي المرابطة المأمور بها في قوله تعالى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}، فقد قيل هي انتظار الصلاة بعد الصلاة، وينوي الجوار؛ فإنه مستحب، ولا يشترط فيه الصوم ولا إتمام النهار، وينوي الخلوة ودفع الشواغل المانعة من التفكر في الآخرة والاستعداد لها، وينوي إفادة العلم واستفادته أو كليهما، كتنبيه من قصر في شيء من أحكام صلاته، وأن يشغل نفسه عن المعاصي وعن الفضول، وأن يقتدي به غيرد في فعل الخير وغير ذلك، وكذا سائر أعمال البر فينوي طالب العلم - تفصيلا إن قدر في كل مسألة، وإلا فإجمالا - أداء المفروض عليه بتعلمه ما يلزمه في خاصة نفسه، وما زاد ينوي به القيام بفرض الكفاية، ولا يقتصر على نية الندب؛ لأن أجر الفرض أعظم بكثير، وينوي أن يعمل بما علَّمه الله في خاصة نفسه، وأن يعلمه كل من أمكنه تعليمه، وينوي نفع الطبقات بالوسائط علما وعملا إلى يوم القيامة، وأن يشغل نفسه بطاعة الله عن معصيته، وعن الفضول الذي فيه تضييع العمر الذي هو رأس المال؛ وفيه مع ذلك شغل الكرام الكاتبين بما لا خير فيه، وقراءته على رؤوس الأشهاد حين يقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} فيخجل في موقف الأهوال والشدائد وهو جوعان عطشان عُريان، وتشتد حسرته لكونه لم يشتغل بالعمل الصالح الذي هو في غاية الاضطرار إليه في ذلك الموقف، وفيه أيضا توبيخه بأن يقال له لم فعلت كذا أو قلت كذا؟