أحمد بن عبد العزيز الهلالي نفعنا الله به: فقد دلت الآية الكريمة على أن صورة العبادة الظاهرة من الاشتغال بالعلم أو غيره لا عبرة بها إلا مع إخلاص النية لوجهه الكريم؛ فالنية والعمل بهما تمام العبادة، فهي أحد جزأي العبادة لكنها خير الجزأين؛ لأن الأعمال بالجوارح إنما طلبت ليميل القلب إلى الخير وينفر عن الشر، فالمراد بالسجود: خضوع القلب لا مجرد وضع الجبهة على الأرض، والمراد بالزكاة. إزالة رذيلة البخل لا إزالة الال عن ملك الغني.
ودل الحديث الشريف على أن الأعمال معتبرة بالنية؛ فمن نوى بها خيرا كانت له خيرا، ومن نوىَ بها شرا كانت عليه شرا: ومن أراد بها مباحا كانت ضائعة، وإن كانت صورتها صورة عبادة فالسجدة مثلا تكون عبادة إذا كانت لله، وكفرا إذا كانت لصنم ومعصية دون الكفر إذا كانت لتعظيم سلطان من غير اعتقاد ربوبية.
والاشتغال بالعلم يكون أفضل أعمال البر إذا نُوِيَ به امتثال أمر الله تعالى في تعاطيه وفي العمل به، ويكون معصية إذا قصد به التكبر على الأقران، واجتلاب الال من وجه حرام، كالرشوة، وقبض الأعطية من الأموال المغصوبة، وشبه ذلك، ويكون فضولا إذا نوي به الفضول كاجتلاب المباح المستغنى عنه.
فأهم الأشياء على العاقل - ولا سيما في جانب تعاطي العلم - تصحيح النية، بأن ينوي بفعل المأمور به، وترك المنهي عنه امتثال أمر الله عز وجل، وبفعل المباح أو تركه الاستعانة على الطاعة، لتكون جميع حركاته وسكناته طاعة، وتنميتها بأن ينظر فيما عزم عليه من فعل أو ترك، فإن وجده يحتمل وجوها من الخير نواها كلها. حكى في المدخل عن بعض الشيوخ أنه كان مع صاحب له في حائط. فدق شخص الباب، فقام إليه الصاحب فلحقه الشيخ، وسأله بأي نية قام. فقال: لأفتح الباب، قال: لا غير؟ قال: هو ذاك، فعاب عليه الشيخ، وقال: إنما قمت أفتح الباب. وكذا وكذا: وعدد له من النيات، فإذا هي خمس وعشرون.
وقد ذكر في المدخل في قضاء حاجة الإنسان - الذي هو أهون الأمور من الضروريات - نيفا وسبعين خصلة، فإذا نواها الإنسان حين خروجه للخلاء يحصل له نيف وسبعون حسنة فإذا منعه مانع من فعلها فقد ربح تلك الحسنات في نيته، وإذا فعلها حصلت له سبع مائة حسنة