إن كان بجماعة؛ يعني أنه إذا كان بجماعة فإنه لا إشكال في بنائه إماما أو مأموما، ولم يأت بهذا الشرط على مساق ما قبله لكونه وجوديا وما قبله عدميا، فإن كان مأموما فهل يخرج عن حكم إمامه حتى يرجع إليه أولا؟ تقدم الكلام على ذلك قريبا فراجعه إن شئت. وأما إن كان إماما فأشار إليه بقوله:
واستخلف الإمام، يعني أن الإمام في رعاف البناء يستخلف من يتم بهم عند ذهابه لغسل الدم ندبا في الجمعة وغيرها، فإن لم يستخلف وجب عليهم في الجمعة وندب في غيرها، وإذا غسل الدم تأخر مؤتما للمستخلف بالفتح منه أو منهم، وصلى معه ما أدرك من صلاته. ويستخلف بغير الكلام فإن تكلم سهوا بطلت عليه دونهم، وعمدا أو جهلا بطلت عليه وعليهم. وقال ابن القاسم: عليه فقط. وعلى قوله: يخرج المأموم عن حكم الإمام بمجرد حصول رعافه، وإلا بطلت عليهم ببطلان صلاته.
وفي بناء الفذ خلاف. قال صاحب الطراز: اتفق أصحابنا على أن المأموم يبني في الرعاف، وكذلك الإمام لأنه واحد من الجماعة. واختلفوا في الفذ: فأجاز مالك في العتبية أنه يبني، ومنعه ابن حبيب، وفي المقدمات ذهب ابن حبيب إلى أنه لا يبني؛ لأن البناء إنما هو ليحوز فضل الجماعة، وقال ابن مسلمة: يبني، ومثله لمالك في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، وقال ابن بزيزة: مذهب المدونة بناء الفذ، والحاصل أنهما قولان مشهوران وذكر ابن فرحون وصاحب الجمع وغيرهما في بناء الإمام قولين، وهو خلاف ما تقدم من اتفاق مالك وجميع أصحابه على بناء الإمام. وهو لصاحب المقدمات وصاحب الطراز واللخمي. وقوله: "وفي بناء الفذ خلاف" مبناه هل رخصة البناء لحرمة الصلاة أو لتحصيل فضل الجماعة؟ وقال صاحب الطراز: إن بناء الفذ أبين؛ لأن ما يمنع البناء وما لا يمنعه لا يختلف فيه الفذ من غيره، كالسلام من اثنتين فيما طال وفيما قصر؛ ولأنه قد عمل شيئا من الصلاة فلا يبطله بغير تفريط منه، ولأنه قد حاز فضيلة أول الوقت بذلك القدر فلا يفوته ذلك عليه كفضل الجماعة. انتهى.
وإذا بني لم يعتد إلا بركعة كملت، يعني أن الراعف إذا بنى ولم يقطع صلاته، وخرج لغسل الدم وغسله، ثم رجع لتكميل صلاته، فإنه لا يعتد بما مضى من صلاته إلا بالركعة الكاملة