وندب البناء البناء يطلق في هذا الفصل على معنيين: بناء في مقابلة قطع، وهو هذا وبناء في مقابلة قضاء؛ وهو قوله: وإذا اجتمع بناء؛ وهو الآتي في قوله: "وقضى القول وبنى الفعل"، وفي قوله: ورجعت الثانية أولى ببطلانها لفذ وإمام، وسيأتي له بناء بمعنى الإتمام، وهو قوله: وبنى إن قرب ولم يخرج من المسجد: وهو قريب من الأول، يعني أنه في هذه الحالة الثالثة وهي الحالة التي له فيها القطع والبناء لكون الدم سال أو قطر بحيث لم يذهبه الفتل ولم يتلطخ بما لا يعفى عنه، يندب له التمادي في صلاته؛ وهو المراد بالبناء، فالبناء أفضل من القطع لعمل السلف. وقد جاء عن جمهور الصحابة والتابعين: إجازة البناء في الصلاة بعد غسل الدم، وهذا اختيار إمامنا مالك رضي الله عنه. واختار ابن القاسم القطع، وهو القياس؛ لأن الشأن في الصلاة أن يتصل عملها، ولا يتخللها شغل كثير، ولا انصراف عن القبلة. فهذان قولان متفقان على التخيير، مختلفان في الأفضل من الأمرين. والقول بترجيح القطع، قال الشيخ زروق: هو أولى بالعامي، ومن لم يحكم التصرف بالعلم لجهله.
وقد ذكر ابن حبيب ما يدل على وجوب البناء، وهو قوله: إن الإمام إذا تكلم عامدا أو جاهلا بطلت صلاته وصلاتهم، فجعل قطع صلاته بعد الرعاف يبطل صلاتهم كما لو تكلم جاهلا أو متعمدا بغير رعاف، والصواب ما في المدونة أن صلاتهم لا تبطل؛ لأنه إذا رعف فالقطع جائز في قول، ومستحب في قول. فكيف تبطل صلاة القوم بفعله ما يجوز له أو ما يستحب له؟ انتهى. فهذه ثلاثة أقوال. وحكى ابن عرفة وابن ناجي رابعا أنهما سواء لا مزية لأحدهما على الآخر، قالا: نقله غير واحد كصاحب التلقين، وزاد ابن عرفة خامسا أنه يقطع. وقوله: "وندب البناء"، محله في الدم الذي يقطعه الغسل، وإلا فيقطع أو يتم على حاله على ما سبق، ومحله أيضا إن لم يخف خروج وقت: وإلا تمادى كما أفاد ذلك بقوله: "وإن لم يظن".
فيخرج ممسكا أنفه هذا شروع منه رحمه الله في كيفية البناء، يعني أن صفة البناء هي أن يخرج من هيئته التي كان عليها، أو من مكانه إذا احتاج إلى ذلك ممسكا أنفه ليلا تبطل صلاته بتلطخ جسده أو ثوبه بما لا يعفى عنه، ولم يشترط المصنف إمساكه من أعلى كما فعل ابن هارون خوف بقاء الدم في داخل الأنف، فإن داخل المارن؛ وهو ما لان من الأنف له حكم ظاهر الجسد دون