واعلم أن الطلاق على نوعين: طلاق بعوض وطلاق بغير عوض، والطلاق بعوض هو الخلع، ولما جرى ذكر الخلع في فصل القسم أعقبه المص بذكر الخلع، والخلع لغة: النزع، مأخوذ من خلع الثوب بفتح الخاء؛ لأن كلا من الزوجين لباس للآخر في المعنى، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، فكأنه بمفارقته الآخر نزع لباسه وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي.

وأول خلع وقع في الإسلام بين حبيبة بنت سهل الأنصاري وبين زوجها ثابت بن قيس، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خرج لصلاة الغداة وجدها عند بابه، فقال من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل: فقال: ما شأنك؟ فقالت: لا أنا ولا ثابت ابن قيس؛ أي لا أنا أوافقه ولا هو يوافقني، وفي رواية أنها قالت: يارسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها، ولولا مخافة الله لبزقت في وجهه، وفي رواية أنه كان ضربها وكسر يدها فلما جاء زوجها للمسجد، (قال له عليه الصلاة والسلام: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر، فقالت حبيبة يارسول الله صلى الله عليك وسلم: كل ما أعطاني عندي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ منها، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم وإن شاء زدته ففرق بينهما وجلست في أهلها (?)). انتهى.

وأشار المؤلف إلى حكم الخلع بقوله: جاز الخلع يعني أن الخلع جائز من غير كراهة على المشهور خلافا لابن القصار القائل بكراهته والحجة للمشهور قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}، قال الشارح: المذهب جوازه يعني الخلع كما قال، ونقله اللخمي وابن يونس والباجي وابن زرقون وغيرهم عن مالك، لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، ولما في الموطأ من (حديث حبيبة زوجة ثابت بن قيس) فلولا أنه جائز لما أباح له عليه السلام الأخذ منها، وذهب ابن القصار إلى أنه مكروه وهو ظاهر كلام ابن رشد في المقدمات؛ إذ ذكره في قسم الطلاق البدعي. انتهى.

وعرف المؤلف الخلع بقوله: وهو الطلاق بعوض يعني أن الخلع هو أن يطلق الزوج وتعوضه المرأة مالا على طلاقها، والطلاق في الشرع حل عقدة التزويج، وقد تقدم تعريف ابن عرفة له، والطلاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015