وفي الحطاب بعد جلب نقول: والحاصل أن في التعدد مع العمد قولين لابن القاسم وأشهب، فعند ابن القاسم: لا يتعدد, وعند أشهب: يتعدد، وهو الذي يفهم من كلام المصنف هنا وفي مناسكه، وصرح به في توضيحه. والله أعلم. وفي عبارة المصنف تورك؛ لأن قوله: "وحصر عن البيت"، يقتضي أنه لم يحصر عن غير البيت، وقوله: "وعليه الرمي" الخ، يدل على أنه أحصر عن ذلك، والجواب أن قوله: "حصر عن البيت"، سواء حصر عن ما قبله مما بعد الوقوف أو لا، وقوله: "وعليه للرمي"؛ الخ حيث منع من ذلك.
وإن حصر بما سبق من الأمور الثلاثة عن الإفاضة؛ أي عرفة، وسماها إفاضة لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}. قاله عبد الباقي. وفي كلام غيره ما يقتضي أن المراد بالإفاضة إفاضة عرفة؛ أي الدفع منها أي الذهاب منها إلى المزدلفة، لكن على تقدير مضاف أي حصر عن سبب الإفاضة من عرفة، وهو الوقوف بعرفة، وإيضاح معنى كلام المصنف أن من تمكن من البيت ثم حصر عن الوقوف بعرفة لم يحل إلا بفعل عمرة، وقوله: "حصر"؛ أي حبس عن الحضور بعرفة بسبب أحد الثلاثة المتقدمة أي: العدو والفتنة والحبس ظلما.
أو فاته الوقوف بغير؛ يعني أن المحرم بحج إذا فاته الوقوف بعرفة بغير الأمور الثلاثة المتقدمة فإنه لا يحل بالنية، وإنما يحل بفعل عمرة، ومثل للغير بقوله: كما إذا فاته لمرض أو خطأ عدد, ولو لجميع أهل الموسم، بعاشر أو خفاء هلال، أو حبس بحق.
وعلم مما قررت أن قوله: لم يحل إلا بفعل عمرة، جواب الشرط؛ أعني قوله: "وإن حصر"، فهو راجع لمسألتي الحصر والفوات.
بلا إحرام صفة لعمرة، فهو ظرف مستقر، والباء للملابسة؛ يعني أن تحلله المذكور بفعل عمرة لا يكون بتجديد إحرام للعمرة، بل ينوي أنه متحلل من إحرامه السابق للحج بفعل هذه العمرة المتحلل بها. والله سبحانه أعلم.
وعلم مما هنا وما مر أن من أحصر عن البيت وعرفة معا بمرض ونحوه أنه كمن فاته الوقوف بعرفة فقط، في أنه إنما يتحلل بعمرة لا بنية فقط أو مع هدي وحلق، وقد مر التصريح بذلك. والله سبحانه أعلم.