ولا دم؛ يعني أنه لا دم عليه لما فاته من الحج بحصر العدو ونحوه على المشهور، وأوجبه أشهب لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وتأوله ابن القاسم على الحصر بمرض، ورده اللخمي بأن الآية نزلت بالحديبية وكان حصره بعدو، ولقوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}، والأمن إنما يكون من عدو، وأجيب عن دليل أشهب بجوابين: أحدهما للتونسي وابن يونس: أن الهدي في الآية لم يكن لأجل الحصر إنما ساقه بعضهم تطوعا، فلا دليل فيها على الوجوب كما يقوله أشهب، الثاني: أن الإحصار في الآية بالمرض لا بالعدو وهذا لابن القاسم كما مر، وعزاه ابن عطية لعلقمة وعروة بن الزبير وغيرهما، وقال: المشهور في اللغة أحصر بالمرض وحصر بالعدو. انتهى. وقال: في قوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}: قال علقمة وغيره: المعنى: فإذا برئتم من مرضكم، وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما: إذا أمنتم من خوفكم من العدو. انتهى. وكون الآية نزلت بالحديبية لا يرد هذا التأويل، بل يقوي تأويل ابن القاسم قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. نقله بناني.
واعلم أن المحصور بعدو يحلق أين كان، ولا قضاء حيث تحلل قبل الفوات، وأما لو أحصر ولم يتحلل حتى فاته الحج لوجب عليه الهدي للفوات فقط عند ابن القاسم لا هدي للحصر، خلافا للشافعي في إيجاب هديين، ووجب القضاء اتفاقا، ويكون الحصر بعد الفوات لا تأثير له، فإن أراد التحلل فمنع من مكة كان كالمحصر في العمرة، فيتحلل من غير طواف ويقضي الحج لا العمرة. قاله الشيخ عبد الباقي عن الشيخ سالم. وقوله: "فله التحلل"؛ أي فإن قدر على التقرب إلى مكة لم يلزمة ذلك ويحل بموضعه. قاله في الطراز. قاله الحطاب.
تنبيه: قال في سماع أبي زيد من كتاب القذف من البيان فيمن زنى وكان بكرا وأخذ بمكة وهو محرم: فإنه يقام عليه الحد وينفى ولو كان بمكة ولا ينتظر به أن يفرغ من الحج. ابن رشد: لأن التغريب من تمام الحد، فتعجيله واجب لا يصح أن يؤخر لأجل إحرامه، ولعله إنما أحرم فرارا من السجن، وقد كان مالك إذا سئل عن شيء من الحدود أسرع الجواب وأظهر السرور، وقال: