فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت (?))، والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وقوله: "فله التحلل"، هذا إذا كان العذر قائما، أما لو تراخى حتى زال فلا يحلله إلا البيت. وفي الطراز: أن له أن يحل ويحلق مثل ما لو كان العذر قائما إذا فاته إدراك الحج وهو على بعد من مكة.
ثاني الشرطين أشار له بقوله: وأيس من زواله قبل فواته؛ يعني أنه كما يشترط في كونه له التحلل أن لا يعلم بالعدو ومن في حكمه حين الإحرام، يشترط أيضا أن ييأس من زوال المانع قبل فوات الحج؛ بأن يعلم أو يظن أن المنع لا يزول إلا بعد فوات الحج، وأشعر كلام المصنف بأنه أحرم في وقت يدرك فيه الحج لولا الحصر، وأما إن حصر بعد ما أحرم، وكان لا يمكنه الحج وإن لم يكن حصر لم يتحلل وبقي على إحرامه إلى قابل حتى يحج؛ لأن العدو ليس هو الذي منعه من الحج، فقد دخل على البقاء على إحرامه، كمن أحرم وهو يشك في المنع مع سعة زمن الإدراك.
وقررت المصنف على أن قوله: "قبل فواته"، متعلق "بزواله"؛ لأن ذلك هو ظاهره، وعليه فظاهره أنه يحل إذا أيس من زوال العدو قبل فوات الحج، ولو بقي من الوقت ما لو زال العدو لأدرك فيه الحج، وهو ظاهر أول كلام المدونة والذي اختاره ابن يونس وسند ما في آخر كلامها، وهو أنه لا يحل حتى يكون في زمن يخشى فيه فوات الحج، وقالا: إن كلامها الثاني يفسر الأول، قال الحطاب: إذا علم أن هذا هو الراجح فينبغي أن يحمل كلام المصنف عليه، فيكون معنى قوله: "وأيس من زواله" الخ، أنه لم يبق بينه وبين ليلة النحر زمن يمكن فيه السير ولو زال العدو. والله تعالى أعلم.
واعلم أن قوله: "وأيس من زواله"؛ خاص بالحج، وأما العمرة فقال في التوضيح: قال ابن القاسم: وليس للعمرة حد فيحل، وإن كان لا يخشى فيها فوت، وقال ابن الماجشون: يقيم إن رجا إدراكها بفوره بما لا ضرر فيه على الصبر عليه، فإن لم يرجه إلا في طول فليحل، وقال محمد بن الحسن: إن قوله: "قبل فواته"، يحتمل أن يتعلق بقوله: "فله التحلل". وقاله غيره. وعليه فيكون ردا لقول أشهب: إنه لا يكون إلا يوم النحر. انتهى. المراد منه.