قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: مشى كلام البناني -والله سبحانه أعلم- أن الحكم عام في المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وفي المتفق عليه وغيرهما، وأن الاجتهاد إنما يكون فيما لم يُرْوَ فيه شيء ولم يتفق عليه، فإذا اختلفت الصحابة في شيء لم يخرج عن جماعتهم، لكن لا بد من الاجتهاد في تعيين ما يحكمان به عليه، كما أنهما يجتهدان فيما لم يرو فيه عن الصحابة شيء لا فيما روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، أو اتفق عليه فلا يتعرضان للاجتهاد فيه، وإنما يحكمان عليه، وعليه أن يأتي بما يجزئ ضحية. والله سبحانه أعلم.

تنبيه: قال في المدونة: وليبتدئا بالاجتهاد ولا يخرجا باجتهادهما عن آثار من مضى. أبو الحسن الصغير: والذي روى أن في الظبية شاة وفي البقرة الوحشية بقرة. انتهى. عبد الوهاب: وإنما قلنا إن التحكيم يلزم فيما حكمت فيه الصحابة، ولا يكتفى بما تقدم من الحكم فيه، خلافا للشافعي في أنه يكتفى فيما حكمت فيه الصحابة بما تقدم الحكم به لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فعم. انتهى. وقد علمت أن الحكمين لا يخرجان باجتهادهما عن آثار من مضى، مثل أن يخرجا عما وجب القضاء فيه ببدنة إلى الشاة أو بالعكس.

وله أن ينتقل؛ يعني أن الحكمين لا يحكمان عليه بالجزاء إلا بعد تخييره في أحد الأنواع الثلاثة فيما هي فيه إما المثل أو الإطعام أو الصيام، فإذا اختار أحدها حكما عليه به، ثم بعد ذلك له أن ينتقل عما حكما عليه به إلى غيره، يريد بحكم منهما أو من غيرهما، فإذا حكما عليه بالجزاء بالمثل فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الطعام أو الصيام فله ذلك بعد أن يحكما عليه بما انتقل إليه أو يحكم له به غيرهما. إلا أن يلتزم؛ يعني أن ما تقدم من أن له أن ينتقل هو مذهب المدونة وظاهرها، سواء عرف ما حكما به عليه والتزمه أم لا، واختلف الشيوخ هل كلام المدونة على ظاهره؟ وهو تأول الأكثر منهم سند وغيره وهو المعتمد، أو إنما محل كلام المدونة إذا لم يعرف الصائد ما حكما به عليه ويلتزمه، وأما إن عرفه والتزمه فليس له أن ينتقل عنه وهو تأويل ابن الكاتب وابن محرز، وإلى ذلك أشار بقوله: فتأويلان؛ مبتدأ حذف خبره؛ أي في ثبوت الانتقال له وعدمه تأويلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015