بغير محل تلف الصيد فهل لا يجزئه ذلك عند المدونة مطلقا، سواء ساوى سعر محل الإخراج سعر محل التلف أم لا، فيكون قول ابن المواز خلافا أو لا يجزئ ذلك عند المدونة إلا أن يساوي سعر محل الإخراج سعر محل التلف، أو يكون سعر محل الإخراج أغلى فيجزئه ذلك عندها، فيكون قول ابن المواز تفسيرا للمدونة. والله سبحانه أعلم. وحكى القاضي أبو الحسن عن مالك أن الهدي إذا نحر بمكة أو بمنى جاز أن يطعم منه مساكين الحل بأن ينقل إليهم.
واعلم أن في الإطعام بغير محل تلف الصيد ثلاثة أقوال: مذهب المدونة كما مر، وقول ابن المواز الذي اختلف في كونه تفسيرا للمدونة أو خلافا لها، ومذهب الموطإ الإجزاء وهو قول ابن وهب وأصبغ وغيرهما، وفهم مما مر أنه لو كان سعر موضع الإخراج أغلى وأخرج على مقدار سعر محل التلف، فإن ذلك لا يجزئه وهو كذلك.
وأشار إلى النوع الثالث من الأمور التي يخير فيها المكفر بقوله: أو لكل مد صوم يوم؛ يعني أنه إذا أراد أن يصوم في جزاء الصيد فإنه يصوم عن كل مد بمده صلى الله عليه وسلم يوما ولو جاوز ذلك شهرين وثلاثة. قاله في المدونة. وكمل لكسره؛ يعني أن المد إذا انكسر فإنه يصوم له يوما كاملا، فإذا قيل مثلا ما قيمة هذا الظبي المصيد، فإذا قيل قيمته سبعة أمداد من الحنطة ونصف مد فإنه يصوم سبعة أيام عن سبعة أمداد، ويصوم أيضا وجوبا يوما كاملا، وفي المدونة: وأحب إلي أن يصوم لكسر المد يوما. انتهى. قال الشارح: وأحب في كلامه للوجوب، وفي الذخيرة ما يدل على أن ذلك مستحب؛ وهو يدل على أنه يجوز إلغاء الكسر وهو ضعيف.
فالنعامة بدنة؛ يعني أنه يُكْتَفَى في إخراج المثل من النعم عن الصيد بالمقاربة في القدر والصورة، فمن صاد نعامة فجزاؤها بدنة. وقد علمت أن هذا إذا صادها محرم أو من في الحرم، قال الشارح: لا إشكال أن في النعامة إذا أصابها المحرم مطلقا أو غيره في الحرم بدنة من الإبل؛ لأنها تقاربها في القدر والصورة، فقوله: "فالنعامة بدنة"؛ أي فالنعامة فيها بدنة أو نظيرها بدنة، فلا بد من حذف. انتهى. وقوله: "فالنعامة بدنة"، قد حكم بذلك ابن عباس وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم. قاله السيوطي رحمه الله تعالى.