الحطاب: لا إشكال في حرمة ذلك؛ يعني طرد الصيد من الحرم، قال: فإن فعل ثم عاد الصيد إلى الحرم فلا جزاء عليه، وإن صاده صائد في الحل فعلى من نفره جزاؤه؛ لأنه السبب في إتلافه، وهو كمحرم صاد صيدا في أرض غير مسبعة، ثم أرسله في أرض مسبعة فأخذته السباع وإن لم يتيقن تلفه، فإن كان في موضع ممتنع يتحقق منعته فيه فلا جزاء عليه، وإن لم يكن ذلك متيقنا فعليه جزاؤه، وأما طرد الصيد عن طعامه أو رحله فلا بأس به إلا أن يهلك بسبب طرده فعليه الجزاء، كقضية سيدنا عمر. قاله محمد بن الحسن. يشير بذلك إلى ما نقل عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه دخل دار الندوة بمكة، فوضع ثيابه على شيء واقف يجعل عليه الثياب، قال: فوقعت فيه حمامة فخفت أن تؤذي ثيابي فطردتها، فوقعت على هذا الواقف الآخر، فخرجت حَيَّةً فَأكَلَتْها فخشيت أن طردي إياها كان سببا لحتفها، فقال لعثمان ونافع: احكما علي، فقال أحدهما لصاحبه: ما تقول في عنز ثنية عفراء تحكم بها على أمير المؤمنين؟ فقال له صاحبه: نعم، فحكما عليه. انتهى. نقله الحطاب.
وتحصل مما مر أنه إن لم يطرده فلا جزاء عليه، وإن طرده منه، فإن عاد إلى الحرم فلا جزاء، وإن صاده صائد في الحل فالجزاء، وإلا فإن كان في موضع ممتنع تحقق منعته فيه فلا جزاء على طارده، ولو حصل له التلف بعد ذلك أو صيد؛ لأن طرده حينئذ لا أثر له وإلا فالجزاء.
وقال الشارح عند قوله: "وطرده من حرم": يعني ويجب الجزاء بطرده من الحرم إلى الحل، وهكذا قال في المدونة، يريد إذا كان الصيد لا ينجو بنفسه لأنه أخرجه من مأمنه وعرضه للتلف، فإن كان ينجو بنفسه فلا شيء عليه، نص على ذلك اللخمي وابن يونس، وحكى التونسي في إخراجه من الحرم قولين: الأول أن عليه الجزاء وأطلق، والآخر أن لا جزاء عليه إذا كان ينجو بنفسه، ولو أطلقه في الأندلس. انتهى.
ورمي منه، عطف على قوله: "بقتله"، والضمير في قوله: "منه"، عائد على "الحرم"؛ يعني أن من رمى من الحرم صيدا في الحل فقتله فعليه الجزاء، ولا يؤكل عند ابن القاسم نظرا لابتداء الرمية، خلافا لأشهب وعبد الملك نظرا لانتهائها، وقوله: "ورمي منه"، بخلاف ما لو رأى صيدا في الحل وهو في الحرم فعدا عليه من الحرم، وذلك لأن الإرسال يكون بدءا لذكاة وعنده تشترط