فقال: ما هكذا قال، وإنما قال: فيضحى: وليس بخنا، فقال نافع: أكنت تحفظ هذه القصيدة؟ فقال: لا، ولا سمعتها قط إلى الآن، ولو شئت لأعدتها عليك، فقال: لله أبوك فافعل فأعادها ابن عباس كما هي وفيها نحو ثمانين بيتا، فقال نافع: ما رأيت أروى منك، فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما رأيت أروى من عمر.

وتقدم قول الشعبي: ما استعدت حديثا، وكان إذا أراد أن يدخل السوق سد أذنيه بالصوف خشية أن يسمع ما لا ينبغي، وكان يقول: ما دخل أذني [شيئا (?)] قط فنسيته، فلما انشرحت صدورهم بالإيمان والمعرفة ازدادوا حفظا إلى حفظ، فلا يقاس بهم غيرهم، فالاحتياط الكتب كما قيل:

العلم صيد والكتابة قيده ... قيد مصيدك بالحبال الموثقه

ومن أعطي حفظا مع ذلك كان الفضل له وإلا فلا يضيع علمه {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}، نعم لا ينبغي لذي الهمة أن يتكل على الكتُبِ ولا أن يغتر بكثرتها عنده.

الثَّامِنُ: ينبغي للتلميذ أن يراعي نوبته عند الشيخ، وهذا متأكد لأنه من الحقوق، فلا يطلب السبق على من سبقه بالدرس والسؤال، وقد رووا في هذا خبرا؛ وهو أن أنصاريا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، وجاء رجل من ثقيف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أخا ثقيف إن الأنصاري قد سبق بالمسألة فاجلس كيما نبتدئ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك (?))، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإن كان للمتأخر حاجة ضرورية قد علمها السابق أو أشار الشيخ بتقديمه لعذر تعين، وإن كان غريبا استحب للسابق عليه إيثاره على نفسه لمكان غربته وإلا فلا؛ لأن المسارعة إلى العلم والاشتغال به قربة وقد قالوا: الإيثار بالقرب مكروه.

واعلم أنه يطلب من التلميذ أن يخلع عنه جلباب الحياء والكبر في التعلم، ويرمي نفسه في غمرات الطلب، فلا يستحي ولا يأنف أن يسأل عما لا يعلم، ويستفهم عما لا يفهم، ولا أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015