الثالث: الذريعة، فإن العلم ما دام في صدور الرجال فإنهم لا يمنحونه غير أهله، فإذا صار إلى الصحف وقع عليه من ليس من أهله وناهيك بهذا الفساد لا سيما في زماننا، وقد فسدت الكتب بالتحريف وقلة الضبط فينقل الخطأ ويقع الفساد من كل وجه.

واحتَجَّ الآخرون بالنقل والعقل، أَمَّا النَّقلُ ففعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، أما الفعل فنعني به التقرير؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما يكتب بيده، فقد كان الوحي يكتب بين يديه، والرسائل التي فيها العلم في كتاب عمرو بن حزم في الصدقات والديات والفرائض وغيره، وأما الأمر فأمره صلى الله عليه وسلم الكُتَّابَ بما ذكر، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته بمكة: (اكتبوا لأبي شاه (?))؛ رجل من أهل اليمن، وكان عبد الله بن عمرو يكتب كل ما يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: فنهته قريش وقالوا: تكتب كل ما تسمع ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في الرضى والغضب؟ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم -قال- فأومأ بإصبعه إلى فيه، وقال: (اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج إلا الحق (?)

ويروى من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أأكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضى والغضب؟ قال: نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا (?))، وفي الصحيح، قيل لعلي كرم الله وجهه: (هل عندكم شيء سوى القرآن؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله تعالى عبدا فهما في كتابه وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر (?))، ورري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (قيدوا العلم بالكتاب (?))، وروي ذلك عن عمر أيضا، وعن ابن عباس وعن بعض السلف: الكتاب أحب إلي؛ أي من النسيان، وقال آخر: يعيبون علينا الكتاب، وقال تعالى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ}، ووصى مالك بعض أصحابه عندما ودعه، فقال: أوصيك بتقوى الله في السر والعلانية، والنصح لكل مسلم، وكتابة العلم من عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015