وعن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال: ما كان مع ابن شهاب إلا كتاب فيه نسب قومه قال ولم يكن القوم يكتبون إنما كانوا يحفظون، ومن كتب منهم الشيء إنما كان يكتبه ليحفظه فإذا حفظه محاه، وقال ابن سيرين إنما ضلت بنو إسراءيل بكتب ورثوها عن آبائهم، ويروى عن الشعبي قال: ما كتبت سوادا في بياض قط، وما استعدت حديثا من إنسان مرتين، وقال الأوزاعي: كان هذا العلم شيئا شريفا أخذ من أفواه الرجال يتلقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.

وأقوال السلف في كراهة الكتب كثيرة، وقد لاح من جملتها أن العلة في ذلك على ثلاثة أوجه: الأَوَّلُ المحافظة على الأدب وأن لا يظاهر بكتاب الله تعالى كتاب آخر، ويتضمن هذا الوجه الفرق بين كلام الله تعالى وكلام غيره، وأن كلام الله تعالى موثوق به إذ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو ثابت بالتواتر فلا بأس بكتبه وكلام الغير لا يوثق به كذلك، أما من جهة القائل أو من جهة السند فلعله ليس كذلك فتركه عن الكتب أولى.

الثاني: خوف تضييع الحفظ والاتكال على المصحف والعلم إنما هو في الصدور كما قال القائل:

ليس بعلم ما حوى القمطر ... ما العلم إلا ما حواه الصدر

ويقال: حفظ سطرين، خير من حمل وقرين، ومذاكرة اثنين، خير من هذين، وقال أبو العتاهية: من منح الحفظ وعى، ومن ضيع الحفظ وهى، وقال بعضهم: حرف وعي في تامورك خير من عشرة في تابوتك، وقال القائل:

علمي معي حيثما يممت أحمله ... بطني وعاء له لا بطن صندوق

إن كنت في المبيت كان العلم فيه معي ... أو كنت في السوق كان العلم في السوق

غيره:

استُودع العلمُ قرطاسا فضيعه ... وليس مسْتَوْدع العلم القراطيس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015