ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
واعلم أن موت العالم هو انكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق كثير، وهذا كقول الشاعر:
لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية موت نفس ... يموت بموتها بشر كثير
السَّابعُ: اعلم أن السلف رضي الله تعالى عنهم اختلفوا في كتب العلم وتخليده في الصحف، فمنهم من كره الكتب ورأى التعويل على الحفظ، ومنهم من رخص في الكتب مخافة التغرير، واحْتَجَّ الأَوَّلُ بما روي عنه صلى الله عليه وسلم: (لا تكتبوا العلم عني شيئا سوى القرآن فمن كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه (?))، ويقال: دخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه، فقال له زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديث فمحاه (?)). وقال علي كرم الله وجهه في خطبه: اعزموا على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حين يتبعون أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم، وقيل لأبي سعيد: لو اكتتبنا الحديث؟ فقال: لا، خُذُوا عَنَّا كما أخذنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل له أيضا: (نكتب ما سمعنا منك؟ قال: أتريدون أن تجعلوها مصاحف، إن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يحدث فنحفظ فاحفظوا كما كنا نحفظ (?))، وقيل له: إنك تحدثنا حديثا عجيبا وإنا نخاف أن نزيد فيه أو ننقص، فقال: (أردتم أن تجعلوه قرآنا ولكن خذوا عنا كما أخذنا عن النبي صلى الله عليه وسلم (?)).