ينبغي أن تتوسد، وقد حكي أن رجلا بات متوسدا رسالة الشيخ ابن أبي زيد فأصبح أعمى، وقد أفتي في الأوراق المكتوبة بأن لا تكون صوانا لشيء احتراما لها.
واعلم أن الكتب آلة لصاحب العلم عالما كان أو متعلما وسلاح، ومن لم تكن له كان أعزل، فمن أهم الأمور تحصيلها إما بالملكية إرثا أو شراء أو هبة وهي أولى وإما بعارية، فإن تعذر الملك لإعواز الثمن أو إعواز ما يشترى فلينسخ أو ليستنسخ إن أمكن وهو أولى، وليحذر مكيدة الشيطان وهي أن يسول له أن طلب العلم لا يكون بغير إعداد مؤنة كافية، وأن العلم لا يحصل بغير كتب، فيتعاطى أسباب الدنيا من تجارة أو غيرها فيفوته الغرض -والعياذ بالله تعالى- بجمود قريحة مثلا، أو موت، أو غير ذلك، فالأولى لطالب العلم في بداية أمره أن يرمي بنفسه في غمرات الطلب غير ملتفت إلى شهوة من ملبس ومنكح ومركب ونحو ذلك، وليعول على القسمة الأزلية وأن الله تعالى موصل إليه من فضله موصل إليه الضروري من أموره، وأن يعتمد على السماع والحفظ متكلا على الله تعالى في أن يعلمه من فضله، وهو على ذلك قدير، ثم إن كانت عنده الكتب أو أمكن استحصالها بغير تكلف ولا تعوق عن شغله فليطالع منها ما يقرب عليه، وليدع منها ما هو عميق مشتت للفكر إلى وقته، فإن الكتب سلاح وليس كل أحد يقاتل بكل سلاح، وإن تعذرت الكتب فليحضر فكرته وليتق الله تعالى، ويتوجه إليه بصدق التوجه، وليثق بفضل الله تعالى، وأنه لا يخيبه، وأنه إذا أعطى علما فسيعطي كتبا، ويقال في مثل هذا المقام: إن الشجاع في المضايق سلاح الناس كلها له، والفارس عند الغارات خيل الناس كلها له، فمن نجب في العلم كتب الناس كلها له، وما أعوز منها فالله تعالى يغني عنه، وأن الله تعالى إذا أراد شيئا كان، والله تعالى من فضله حقيق أن يكفي العالم أمر الرزق وجماعة معه كما وعد بذلك.
وقد اختلفت أقوال الناس في إعارة الكتب، فمنهم من كرهها صونا للكتب عن الضياع، فقدما قيل: آفة الكتب العارية، ومنهم من يحض عليها لأنها من التعاون علي البر والحق التفصيل، فمن كان أهلا لأن يعار بظهور نجابة وظهور صيانة للكتب فينبغي أن يعار، وفي مثله يقال: حبس الكتب عن أهلها من الغلول، وينسب للإمام الشافعي يخاطب محمد بن الحسن:
يا ذا الذي لم تر عيـ ... ـنا من رآه مثله
العلم يأبى أهْله ... أن يمنعوه أهله